بتابوت ودفعته فيه وألقته في النيل كما أمرها الله، فالتقطه آل فرعون، وذلك أن قسما من النيل يمر في قصره وأخذته الجرية إليه ليتم مراد الله و «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً» في عاقبة أمره، أي ربّوه لهذه الغاية، ولو علموا لقتلوه، ولكن أمر الله واقع لا محالة على حد قولهم (للموت ما تلد الوالدة) والوالدة لم تلد ليموت ولدها بل ليحيا، وهؤلاء التقطوه وفرحوا به ليكون لهم صاحبا ومفرحا، لا ليكون عدوا وحزنا «إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ» ٨ بعملهم ذلك وهو تصدّيهم لقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل، لئلا يفوتهم من أخبروا به بأنه سيكون خراب ملكهم على يده، ولهذا عاقبهم الله على فعلهم بأن قدر عليهم أن يربّوا عدوهم الذي يتوقعون منه هلاكهم، ويتحروه ليل نهار بأيديهم وتحت رعايتهم، ليكون ندمهم أكثر وتحسرهم أشد، ويكونوا خاطئين بتربيته لا يشعرون أنه هو، ولا بدع فإنهم خاطئون فيما يأتون ويذرون، لأنهم لا يدينون بالإله الواحد ولا يعلمون أن ما يريده الله لا بدّ أن يقع، أرادوا أو أبوا.
وخلاصة القصة قال الأخباريون إن كاهنا من قوم فرعون أخبره بأن هلاكه وملكه سيكون على يد رجل يولد من بني إسرائيل، وأشار عليه أن يأخذ حذره، ويستعد لعاقبة الأمر لأنه واقع لا محالة، وقد رعب فرعون من هذا الخبر، فرأى غضب الله عليه أن يأمر بقتل كل ولد ذكر يولد من بني إسرائيل، من تاريخ إخباره من قبل الكاهن لسلامة نفسه وملكه، وهذا من فظاعة عتوه وبغيه وكبير كبريائه وطغيانه وكثير جهله وحمقه لشدة حرصه وطمعه في الدنيا اقتداء بأخيه النمرود حيث فعل فعله هذا حينما أخبره الكاهن بمثل ما أخبر فرعون، وصار يقتل الأولاد ويترك الإناث، ولكن الله تعالى لم يسلطه على إبراهيم، وقد كان هلاكه بسببه كما ستأتي قصته في الآية ٨٣ من سورة الأنعام في ج ٢، مع أنه يعلم أن لا راد لما قضى الله ولا مانع لما أراده، ولكن تهالكه على الملك أعمى بصره وبصيرته، وإن أخذه يقول الكاهن دليل على قلة عقله، لأنه إن صدقه لم ينفعة القتل، لأنه قال له سيكون ذلك، وإن كذبه فلا معنى للقتل، قالوا عين حراسا وقوابل من القبط على نساء بني إسرائيل، وأمرهم بأن يذبحوا كل مولود