للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجالا، إلا أنهم عزّوا بوجود موسى عند فرعون والتفاف زوجته وابنته عليه، وصاروا يناوثون القبط أحيانا ويعارضونهم فيما يأمرونهم به وينهونهم عنه، لا سيما وان الذليل إذا رأى نفسه تعزز لا يطاق كما هو مشاهد في غير المسترقين فكيف بمن صار الرق له ديدنا؟ ولهذا فإن مثل هذه المخالفات صارت تجري منهم على غير المعتاد، وبما أن خصمه طباخ الملك والحطب لمطبخه اغتاظ القبطي وهاجمه بالضرب، ولما رأى موسى أن القبطي هو المعتدي ضربه بجميع يده ليردعه عن ضرب الإسرائيلي، ولا يعلم أن ضربته هذه تقضي لموته لأن الأنبياء معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها، قال تعالى حاكيا حالهما «فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ» أماته خطأ، والقتل خطأ صغيرة لا كبيرة، والوكز عادة لا يؤدي للموت لأنه ضربه بجميع يده أو دفعه برؤوس أصابعه، ولا مظنة فيها للقتلى والقتل بغير آلة مفضية له لا يعدّ جناية مقصودة بالمعنى المراد فيها لا سيما إذا عرت عن النية، ولكن لما رأى وكزته قضت على حياته ولم يكن يتصور حصول الموت بها ندم عليه السلام قالوا ثم جر جثته ودفنها بالرمل و «قالَ هذا» الذي وقع «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ» الذي غايته استذلال البشر وإيقاعه في الخطايا «إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» ١٥ مظهر العداء والضلال إلى الإنسان، ثم رفع يديه «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي» بما فعلت قال هذا على سبيل الاتضاع والاعتراف بالتقصير، لأن الأنبياء يعدون ما يقع منهم كبيرا مهما كان بالنسبة لقامهم، وفعله هذا كان قبل النبوة بكثير يدل عليه قوله تعالى (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) الآية ١٩ من سورة الشعراء المارة «فَاغْفِرْ لِي» ما وقع مني واستره علي ولا تؤاخذني به لئلا يطلع فرعون فينتقم مني «فَغَفَرَ لَهُ» وأجاب دعاءه جزاء اعترافه ووصم نفسه بالظلم «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ١٦ كثير الرحمة بأوليائه الأبرار وقد ستره الله عليه فلم يشاهده أحد عند الضرب ولا عند الدفن «قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ» بالستر والمغفرة، وأقلت عثرتي وقبلت توبتي «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً» معاونا ونصيرا أبدا «لِلْمُجْرِمِينَ» ١٧ الذين يوقعون غيرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>