كتاب إظهار الحق الذي يحتاج إليه كل من يميل إلى مناظرة أهل الكتابين، أما ما قاله العلامة ابن حجر في تحفة المحتاج في تحريم مطالعتها لغير عالم فهو للخوف عليه، لئلا يختلط الأمر فيقع في حيص بيص، تدبر عليه وإلى هنا انتهت قصة موسى عليه السلام مع فرعون عليه اللعنة وشعيب عليه السلام، ووجه مناسبة هذه السورة لما قبلها وكونها أتت بعد النمل لا بعد الشعراء على ما ذكره الجلال السيوطي رحمه الله هو أنه سبحانه وتعالى كما ذكر في الشعراء قول فرعون لموسى عليه السلام (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) الآية ١٧ إلى قوله (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ثم ذكر في سورة النمل قول موسى لأهله في الآية ١٦ المارة إني آنست نارا إلخ الآيات وكان الأمران على سبيل الإرشاد والإجمال بسط في هذه السورة ما أوجزه في السورتين المذكورتين، وفصّل ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما فبدأ جل شأنه بشرح تربية فرعون له وعلو شأنه على بني إسرائيل وإقدامه على ذبح أولادهم الموجب لإلقاء موسى في اليم خوفا عليه من الذبح، وبيّن تربيته وما وقع فيها أي السبب الذي من أجله قتل القبطي والنّم عليه الموجب فراره إلى مدين وما وقع له مع شعيب ومجيئه إلى الطور، ومناجاته ربه، وبعثه إلى فرعون، وكانت هذه السورة شارحة لما جاء في السورتين ومتممة لها، ولهذه الحكمة قدمت على سورة القصص وأخرت عن الشعراء في النزول وهي كذلك في المصاحف، فقد روى عن ابن عباس وجابر بن زيد أن سورة الشعراء نزلت، ثم النمل، ثم القصص وهكذا فإن أول كل سورة لها مناسبة مع آخر السورة قبلها، كما أن آخر كل سورة له مناسبة بأولها، وقد راعى هذه الجهة المفسر الكبير الإمام فخر الدين الرازي وأهمله أكثرهم، ثم شرع يعدد بعض نعمه على رسوله فخاطبه جل خطابه بقوله «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ» من الجبل الذي وقعت فيه مناجاة موسى لنا في الميقات الذي وقتناه له «إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ» بإنزال التوراة إليه لا كمال دينه وشرعه بعد أن عهدنا إليه بالرسالة على الصورة التي قصصناها عليك وشرفناه بالتكليم دون سائر الرسل «وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» ٤٤ ذلك الزمن والمقام ليقول لك قومك افتريته من نفسك، بل هو يوحينا إليك إذ