لم يشهد ذلك إلا السبعين الذين اختارهم موسى لحضور الميقات كما فصلناه في الآية ١٥٤ من سورة الأعراف المارة أما التشريف بالرسالة فلم يشهدها غير موسى، وأنت أمي لم تخرج من قريتك، فمن
أين لهم أن يتهموك بأن هذا القرآن سحر وكهانة أو من خرافات الأولين «وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً» بعد موسى متتابعة إلى زمنك هذا كثيرة لا تعلمهم أنت ولا غيرك «فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» فنسوا عهد الله وتركوا أوامره التي من جملتها أخذ العهد عليهم بالإيمان بك واتباعك ولم يوفوا بما عاهدوا الله عليه بسبب نمادي الأمد وتغيير الشرائع والأحكام، فعميت عليهم الأنباء لكثرة عبثهم فيها واغترارهم بما خولناهم من النعم المادية والمعنوية ولا سيما قومك الذين سولت لهم أنفسهم عبادة الأوثان فاقتضت حكمتنا لهذه الأسباب أن ننزل عليك شرعا جديدا صالحا لعصرك وما بعده إلى يوم القيامة مما كان ثابتا في علمنا قديما، ونقصّ عليك الأنباء على ما هي عليه عند حدوثها تدريجا بحسب الوقائع كما هي مدونة في أزلنا لتذكرها لقومك وتأمرهم أن يعملوا بمقتضى ما نوحيه إليك مما هو مصدق للكتب القديمة من حيث الأحوال الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد حرفيّا، ومعدل لبعض الأحكام من حيث الفروع «وَما كُنْتَ» يا أكرم الرسل «ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ» كما كان شعيب قاطنا عندهم وسكن موسى عنده أول أمره كما علمت «تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا» التي فيها قصتهما وتذكرها لقومك واعدا وموعدا كأنّك كنت معهما «وَلكِنَّا» نحن إله الأولين والآخرين «كُنَّا مُرْسِلِينَ» ٤٥ الرسل الهداية الخلق قديما، كما أرسلناك إلى هؤلاء الآن وقصصنا عليك اخبارهم وأممهم في هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك، كما قصصنا على كل أمة أخبار من قبلها مع رسلهم، ولولا اعلامنا إياك فيه لما علمت شيئا من ذلك «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ» الجبل الذي وقعت عنده المناجاة «إِذْ نادَيْنا» موسى منه وآتيناه ما آتيناه وقلنا له خذ الكتاب بقوة وهي أعظم ما رأى موسى، فأخبرناك بها لنقصها على قومك أيضا «وَلكِنْ» رحمناك بها وشرفناك بالوحي والرسالة وأطلعناك على أخبار الأولين التي لا تعلمها أنت ولا قومك، وأعلمناك في هذا القرآن أخبار ما كان وما يكون