وجعلناك «رَحْمَةً» لأهل زمانك ومن بعدهم ممن اتبع هداك واسترشد برشدك مخصوصة لك وللناس أجمعين «مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ» يخوفهم عقاب الله من بعد جدك إسماعيل.
مطلب أهل الفترة وعدد الأنبياء وتقسيمهم:
ولهذا سموا أهل الفترة إذ لم يرسل إليهم بعده رسولا لان عيسى ومن قبله أرسلوا خاصة لأقوام مخصوصين، فتطاول عليهم الأمد واندثرت آثار نبوة إسماعيل إذ كان بينها وبين نبوة محمد ما يزيد على ألفين وخمسمائة سنة، ولذلك لم يبق لها ذكر عند العرب، لانه لم يترك لهم كتابا يرجعون إليه وانقطعت رسالته بموته عليه السلام، لهذا أرسلناك إليهم «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ٤٦ عهدهم الأول ويعترفون برسالتك، وان ما تأمرهم به هو من عند الله لأن ما تذكره لهم في الأمور الغيبية دليل على صدق دعوتك ان كانوا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى، وهذه الفترة خاصّة بالعرب، أما الفترة العامة للخلق فهي ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، الا أنهم لا يعدون ناجين كأولئك لأن عيسى ترك لهم كتابا كما ترك موسى من قبله قلم تنقطع عنهم آثار النبوة ليعدوا معذورين كالعرب، تأمل. ولهذا البحث صلة أول تفسير سورة السجدة في ج ٢ والآية ١٥ من سورة الإسراء الآتية فراجعه. قال العزّ بن سلام كل نبي إنما أرسل إلى قومه نسبا أو مصاهرة ليدخل لوط عليه السلام، الا سيدنا محمد إذ أرسل إلى الناس كافة، فعلى هذا يكون ما عدا قوم محمد، إذ لا نبي بعده، قوم كل نبي من أهل الفترة الا ذرية النبي السابق عليه، فإنهم يخاطبون ببعثة السابق حتى تدرس شريعته، فيصير الكل حينئذ من أهل الفترة. أما قوله تعالى في هذه الآية (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) وقوله (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) في الآية ٦ من سورة يس المارة وقوله (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) الآية ٣ من سورة السجدة في ج ٢، فلا تتعارض مع قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) الآية ٤٤ من سورة فاطر المارة وقوله (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) الآية ٤٤ من سورة سبأ في ج ٢، لأن العرب الأقدمين قبل إبراهيم أنذروا من قبل هود وصالح، وبعد ابراهيم انذروا من قبل إسماعيل