للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكل الخلق وخاصون أهل مكة بما لا نخص به غيرهم، أفلا يعلمون أن الخوف والأمن من عندنا نخيف من نشاء ونؤمن من نشاء، كما نفقر من نشاء ونغني من نشاء، ونعز من نشاء ونذل من نشاء، ولكن

لفرط جهلهم وعدم ثقتهم بربهم لا يعلمون ذلك، وفي قوله تعالى أكثرهم إشارة إلى أن منهم من يعلم ذلك، قال تعالى «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ» أي أثرت وطغت ولم تحفظ حق الله فتشكر «مَعِيشَتَها» وتحمد الله على النعمة، بل خرجت عن الشكر ولم تحمل نعمة الغنى، فأهلكها الله تعالى «فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا» عند المرور بها لاستراحة فقط، تشاؤما منها بسبب ما وقع على أهلها من العذاب «وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ» ٥٨ لها لا يملك أحد التصرف بها غيرنا لأنهم كانوا يتمتعون بنعم الله ويعبدون غيره، خير الله إليهم نازل وشرهم إليه صاعد، فما قدّروه بعض قدره، ولا مجدوه جزءا مما يستحقه، وفي هذه الآية تخويف لأهل مكة وتهديد بأنهم إذا داوموا على كفرهم تكون عاقبتهم كعاقبتهم فيدمرهم ويترك مساكنهم خاوية عبرة لغيرهم، كديار قوم هود وصالح ولوط وغيرهم، قال تعالى «وَما كانَ رَبُّكَ» يا أكرم الرسل في حكمه الأزلي، ولا في غيبه القديم، على خاصة، إذ لا غيب عليه «مُهْلِكَ الْقُرى» الكافر أهلها «حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا» ينذرهم ويخوفهم بأس الله، والمراد بالأم هي البلدة التي ترجع أهالي القرى والقصبات في أمورها إليها ممن يسكن في أطرافها التي يكون فيها الوجهاء والأشراف والقادة، ومكة شرفها الله محل ولادة الرسول، وقاعدة البلاد العربية، ومحط أنظار العرب والإسلام، ومهبط الوحي، يؤمها القريب والبعيد، وكل البلاد حولها من أطرافها الأربع يرجعون إليها، وفيها أشراف قريش وحرّاس بيته، ولذلك بعث فيها أعظم الأنبياء وخاتمهم «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا» ويبلغهم وبال العذاب النازل بهم إذا لم يؤمنوا لا محالة «وَما كُنَّا» عفوا بدون ذنب أو سبب «مُهْلِكِي الْقُرى» وما جرت بذلك سنتنا لأنا لا نهلكهم «إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ» ٥٩ متوغلون في الظلم مصرون عليه، إذ ما صح ولا وقع من لدنا إهلاك غير الظالمين العاكفين على كفرهم وشأننا الآن وبعد كذلك، أما الذين آمنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>