هذا، واعلم بأنّ وفاته محققة بالتاريخ المذكور أعلاء، وإذا كان كذلك وهو كذلك فإن هذه الآية لم تنزل بحقه، لان بين نزولها وموته مدة كثيرة، ويوشك أن حضرة الرسول قرأها عند وفاته لانطباق معناها على ما في قلبه الشريف من محبة هدايته وتكرار أمره له بالإيمان بربه، وجوابه له بنحو ما ذكر يستدعي تلاوة هذه الآية، على أن جمهور المفسرين قالوا بنزولها في أبي طالب، وهذا لا يتجه إلا أن تكون هذه الآية مؤخرة في النزول عن سورتها أو أنه قرأها في حياته بحضوره، وعلى هذا تكون نازلة بحقه، إلا أن أحدا لم يقل به، هذا والله أعلم. قال تعالى «قالُوا» كفار مكة «إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ» يا محمد «نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا» وجابهه بهذا القول الحارث بن عثمان بن نوفل إذ قال لرسول الله: إنا نعلم أن الذي تقوله حق ولكن إن اتبعناك نخاف أن تخرجنا العرب من أرض مكة، فأنزل الله جل إنزاله «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً» بآمنون به على أموالهم وأنفسهم دون سائر العرب؟ لأن الجاهلية كانوا لا يغيرون على أهل مكة ولا يقاتلونهم ولا يسلبونهم لحرمة البيت، حتى انه من المعروف في ذلك الزمن أن الظباء تأمن فيه من الذئاب، والحمام من الحدأة، وهذا لا يستغرب، لأن الله تعالى الذي ألهم السمك بالخروج يوم السبت وعدم التعرض له (راجع الآية ١٦٣ من سورة الأعراف المارة) ألهم الظباء والحمام ذلك أيضا، وفضلا عن ذلك انه «يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ» من مأكول وملبوس ومشروب وحلي وغيره من جميع بلاد الله، فيوجد فيها من مصنوعات الهند والسند والصين والشام والعراق والعجم والغرب واليمن والترك والسودان والبلاد الأجنبية، حتى إنك لتجد فيها ما لا يوجد في أعظم البلاد لأن جل البلاد تجلب إليها من أحسن مصنوعاتها في الموسم، وهذا واقع ولا يزال، وفاء بعهد الله لأهل بيته، وإجابة لدعوة جدّ رسوله محمد إبراهيم عليهما السلام كما سيأتي في الآية ١٢٦ من البقرة في ج ٣، ويرزقون فيه «رِزْقاً» عظيما مختلف النوع والجنس والصفة والقيمة «مِنْ لَدُنَّا» نحن رب البيت العالم بما يكون لأهله من الكرامة «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ٥٧ أن رزقهم من عندنا، وأنا نسوقه إليهم، لأنا مكلفون