والحيتان لمياهها، والإنسان لوطنه، ولو كان نفعه ورزقه في غيره، فالسعيد من يوطن نفسه في حب الله ولله در القائل:
لكل شيء إذا فارقته عوض ... وليس لله إن فارقت من عوض
هذا، وهناك أقوال كثيرة في معنى المعاد، منها المقام المحمود لأنه المعاد الدائم لحضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ومنها أنه الجنة، ومنها أنه بيت المقدس لوقوع الإسراء منه، ومنها أنّه المحشر لتسميته به، وهو لا بد لكل أحد من الحضور فيه، ومنها، ومنها، فقد صرفنا النظر عنها واخترنا ما عليه الجمهور منها قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء الذين اضطرّوك للخروج من بلدك قسرا بزعمهم أنك ضللتهم وآلهتهم «رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى» يعني نفسه صلّى الله عليه وسلم «وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٨٥ يعني هم القائلون له إنك لفي ضلال عما كان يعبده آباؤك، قال تعالى «وَما كُنْتَ تَرْجُوا» يا أكرم الرسل «أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ» من ربك ولا كنت تظنّه ولا تتصور أن نرسل إليك عبدنا جبريل بوحينا دون سائر الناس «إِلَّا رَحْمَةً» عظيمة خصصت إلقاءه إليك «مِنْ رَبِّكَ» تفضلا منه بما قدره إليك في أزله «فَلا تَكُونَنَّ» بعد أن شرفناك بوحينا وأقمناك خليفة في الأرض عنا «ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ» ٨٦ بي وبك وبه فتعاونهم على ما يريدون، ولا شك أن حضرة الرسول يعلم به ربه أنه لا يؤازر الكافرين، ومن المحال أن يخطر بباله ذلك، كيف وهو منصرف إلى ربه بكلّيته، وقد عادى أقاربه وقومه من أجله. وان ظاهر هذا الخطاب وان كان منصرفا له صلّى الله عليه وسلم، لكن المراد به غيره، وهذه الآية نزلت على أثر دعاية المشركين له أن يرجع لدين آبائه كي يناصروه ويظاهروه ويعينوه ويملكوه عليهم ولما لم ينجع به ما حاكوه في دار الندوة بأن يقتلوه أو يخرجوه أو يجسوه، وهاجر على أثر هذا كما سيأتي تفصيله في بحث الهجرة آخر سورة العنكبوت في ج ٢، فنزلت هذه الآية بالمحل المار ذكره ردا على ذلك، وفيها إشارة بأن الله تعالى هو ظهيره على قومه الذين أخرجوه، ومؤازرة لنصرته عليهم ورجوعه لبلده، وإذ لم يؤمر بعد بقتالهم أشار إليه بأن أعرض عنهم وعن معاونتهم «وَلا يَصُدُّنَّكَ»