للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبدى عبادة أخرى جديدة «هي أشدّ» أقوى وأصعب على المصلي من غيرها وتختلف باختلاف المصلين إذ تكون لذيذة على البعض ثقيلة على الغير «وطأ» أي موافقة يتواطأ فيها القلب واللسان لانقطاع رؤية الخلائق فيها وانصراف المصلي بكليته إلى ربه «وَأَقْوَمُ قِيلًا ٦» أثبت قراءة واركن للسّماع لهذه الأصوات، فتكون عبادة الليل أكثر نشاطا للراغب فيها وأتم إخلاصا وأبلغ تأثيرا وأعظم توبة وأبعد عن الرياء وأدخل حلاوة في القلب «إنّ لك» يا حبيبي ويشمل هذا الخطاب من تبعه من أمته لأن مخاطبته مخاطبة لأتباعه أجمع «فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا ٧» يكفي لإشغالك ففرغ نفسك في الليل لعبادة ربك، وأصل السبح المر السريع في الماء ثم استعير للذهاب مطلقا وفيه قيل:

أباحوا لكم شرق البلاد وغربها ... ففيها لكم يا صاح سبح من السبح

«وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ» ليل نهار بالتسبيح والتهليل والصلاة والقراءة دواما «وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ٨» انقطع إلى عبادته وحده (ولم تكرر هذه الجملة في القرآن) وارفض ما سواه طلبا لما عنده المرة بعد المرة لأنه هو «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» وما بينهما من مخلوقات علوية وسفلية، مائية وهوائية، نارية وترابية، روحية ونورية، فهو الإله الذي «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وحده المستحق للعبودية «فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ٩» لك وفوض أمرك إليه وحده لأن التبتل لا يليق إلا إليه وهو كفيل بما وعدك به من النصر ورفع الكلمة، وتعقيب التوكيل يدل على أن مقامه صلى الله عليه وسلم فوق مقام التبتّل لما فيه من رفع الاختبار، وفيه دلالة على غاية الحب أيضا وقيل في المعنى:

هواي له فرض تعطّف أو جفا ... ومنهله عذب تكدر أم صفا

وكلت إلى المعشوق أمري كله ... فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا

قال تعالى «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» كفرة قومك من تكذيبك ورميك بما لا يليق «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا ١٠» لا حقد فيه بأن تجتنبهم وتداويهم بإرشادك

<<  <  ج: ص:  >  >>