للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سخرية، كدعائه بالخير إذا مسته الشدة حقيقة، على أن العذاب آتيه لا محالة استعجل به أم لا، سخر فيه أم لا، فإذا فاته عذاب الدنيا لحقه عذاب الآخرة، وقال ابن عباس نزلت في النضر بن الحارث إذ قال (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي يقوله محمد (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية ٣٣ من الأنفال في ج ٣، وقال إنّ الله أجاب دعاءه وقيض له من ضرب عنقه وقتل صبرا، إلا أنه غير وجيه، لأن هذه الآية لم تنزل بعد، وهناك أقوال أنها بحق آدم عليه السلام، ولكن لا يوثق بصحتها، لذلك فإن ما جرينا عليه من الإطلاق أولى ليدخل فيها كل من هذا شأنه وأنسب بالمقام قال تعالى «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ» هذا شروع في بعض ما ذكر من الهداية بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالدلائل الآفاقية، لأن الله تعالى قال هنا (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) إلخ الآية المارة، وقال في حقه صلّى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية ٥٣ من الشورى في ج ٢، أي الطريق الأمثل السوي.

فقد وصف الله كتابه ورسوله بأنهما يدعوان الناس لأن يهتدوا بالطريقة القيّمة المستقيمة إلى الدين القيم السويّ، ولا يراد بالتفضيل هذا اسم للتفضيل على معنى أنها أفضل من غيرها، إذ لا مشاركة بين ما يهدي إليه القرآن وبين ما يهدي إليه غيره، فالمراد بالأقوم القيم على حد قوله تعالى (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) الآية ٣ من سورة البينة في ج ٣، (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية ٥ منها، وهو على حدّ قوله تعالى (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الآية ٢٧ من سورة الروم في ج ٢، فهو بمعنى هين، إذ لا شيء على الله أهون من غيره في الخلق والصنع والإبداع، بل كلها عنده سواء، والمعنى أن قومك يا أكرم الرسل يأبون الملة الحسنى ويريدون التي ألوم وهي عبادة الأصنام التي يكثر لومهم عليها في الدنيا والآخرة، ويستعجلون بطلب نزول العذاب ويدعون على أنفسهم بالشر وهم تائهون في ذلك. هذا وقد جاء النهي صريحا في المنع من دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله، فقد أخرج ابو داود والبذار عن جابر قال قال رسول صلّى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم، لئلا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم. أما ما وقع من أن حضرة الرسول دعا على بعض أهله فهو للزجر، فعلى العاقل أن يتجنب

<<  <  ج: ص:  >  >>