للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللزوم كناية عن عدم المفارقة له «وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً» مثبتا فيه عمله في دنياه ليحاسب عليه يوم البعث «يَلْقاهُ مَنْشُوراً» ١٣ أمامه ليطلع عليه ويعلم أن ملائكة الله لم تظلمه بشيء ولم تنقص من عمله شيئا لأن هذا الكتاب قد سجله الحفظة الموكلون به وضبطوا فيه حركاته وسكناته، فإذا مات طوى وحفظ بمكان عند الله، فإذا بعث من قبره أخرج وعرض عليه في موقف الحساب ويقال له «اقْرَأْ كِتابَكَ» الذي دونّاه في حسناتك وسيئاتك، وانظر إلى عللها وأسبابها وأزمنتها وأمكنتها، وتأمل هل ظلمك الملك بكتابة ما لم تفعله أو بعدم كتابة ما فعلته من شر أو خير؟ ويعطي الله تعالى إذ ذاك كل أحد قوة القراءة ليشهد هو على نفسه، ولهذا المغزى يشير قوله تعالى «كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» ١٤ وهذا غاية في العدل ونهاية في الإنصاف إذ اكتفى الله من عبده أن يكون هو محاسبا لنفسه فلم يبق في حاجة إلى استشهاد الشهود والطعن فيهم، وهذا مظهر قوله تعالى في الآية ٢٩ من سورة ق المارة (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ونظائرها إذ لا يؤاخذ الله أحدا إلا باعترافه الاختياري، لأنه أولا لا يستطيع أن ينطق بغير الواقع، ثانيا إذا سكت أو تعلثم نطقت جوارحه بما اقترفت، فيسأل عنها فلا يقدر أن أن ينكر شيئا وما بعد الاعتراف حجة. قال الحسن: لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. وقيل إن الكافر يقول يا رب إنك لست بظلام، فاجعلني أحاسب نفسي. وقيل إنه يقول يا رب لا أقبل علي شاهدا من غيري، فيقال له:

(اقرأ كتابك) إلخ. والباء في بنفسك للتأكيد ويجوز إسقاطها في غير القرآن

ورفع الاسم بعدها وعليه قوله: ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

وقوله:

ويخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا

والمراد بالنفس ذات الإنسان وشخصه، وما قيل إن المراد بالنفس جوارح الإنسان لا يتأتى هنا، لأنه على خلاف ظاهر الآية، قال تعالى «مَنِ اهْتَدى» في هذه الدنيا بهداية هذا القرآن وعمل بما فيه من الأحكام وآمن بمنزله والمنزل عليه «فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ» فيعود نفع هداه لهالا يتخطاها إلى غيره «وَمَنْ ضَلَّ» هداه وخالف ما جاءه فيه «فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها» فيعود وبال ضلاله على نفسه خاصة

<<  <  ج: ص:  >  >>