للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» وهذه الجملة كالتأكيد لما قبلها، أي لا تحمل نفس حاملة لوزرها وزر نفس أخرى غيرها، فلا يؤاخذ أحد بذنب الآخر قريبا كان أو بعيدا بل كل أحد مختص بذنبه، وهذه شريعة إبراهيم عليه السلام فمن بعده وكانت شريعة من قبله جارية بمؤاخذة القريب بقريبه، راجع الآية ٦٨ من سورة والنجم المارة، وكانت هذه العادة في الجاهلية ثم نفاها الإسلام، ولكن أعراب البادية حتى الآن متمسكون فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله. وانهم كانوا في مبادئ الإسلام أشد كفرا ونفاقا راجع الآية ٩٦ من سورة التوبة في ج ٣، وهم الآن أشد عتوا وبغيا وطغيانا وعنادا، لأنهم حتى الآن لا يعرفون من الدين إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه. قال ابن عباس نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة لما قال لقومه اكفروا بمحمد وعلي أوزاركم، إلا أن لفظ الآية عام فبقاؤها على عمومها أولى، فيدخل فيها هو وغيره ممن على شاكلته.

مطلب في أولاد المشركين وأهل الفترة:

وما قيل إنها نزلت في أطفال المشركين لا صحة له واستدل الجبائي بهذه الآية على أن أطفال المشركين لا يعذبون وهذه من المسائل الخلافية لتصادم الأحاديث والأخبار في ذلك قال بعض العلماء هم في النار تبعا لآبائهم، واستدل بما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين، قال في الجنة، وسألته عن ولدان المشركين اين هم؟ قال في النار، قلت يا رسول الله لم يدركوا لأعمال ولم تجر عليهم الأفلام، قال ربك أعلم بما كانوا عاملين (أي لو بلغوا الحلم) والذي نفسي بيده إن شئت أسمعنك تضاغيهم في النار. إلا أن هذا الخبر قد ضعّفه ابن عبد البر، فلا يحتج به. وأنت عليم بأن الحديث إذا طرقه الاحتمال يفقد صلاحيته للاستدلال، وإنما صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين، وتوقف بعضهم فيهم ومنهم أبو حنيفة، والقول الصحيح أنهم ناجون لقوله تعالى «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ» أحدا من خلقنا «حَتَّى نَبْعَثَ» له «رَسُولًا» ١٥ يرشده في الدنيا لإقامة الحجة عليه وقطعا للمعذرة، حتى إذا لم يهتدوا بهديه عذبهم الله بنوع من أنواع العذاب في

<<  <  ج: ص:  >  >>