التعذيب ولا بنفي العذاب عن أناس دون أناس، والقيد من شأن البشر تعالى الله وكلامه عن ذلك، وما قيل إن نفي التعذيب لا يستلزم نفي استحقاق العذاب لجواز سقوطه بالمغفرة مردود أيضا، لأن الآية تدل على انتفاء التعذيب قبل البعثة، وانتفاؤه قبلها ظاهر، يدل على عدم الوجوب قبلها، فمن أدعى ان الوجوب ثابت وقد وقع التجاوز عنه بالمغفرة فعليه البيان. هذا وما روى عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال لو لم يبعث الله تعالى رسولا لوجب على الخلق معرفته بالعقل لأن العقل حجة من حجج الله تعالى يجب الاستدلال به قبل ورود الشرع، لا ينطبق على تفسير هذه الآية، لأن معرفة الله تعالى غير اخباره بنفي العذاب عمن لم يرسل لهم رسولا، وهي حقيقة واجبة بالعقل لأن ابراهيم عليه السلام لما قال لأبيه وقومه (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الآية ٧٣ من الأنعام في ج ٢ لم يقل عليه السلام أوحى إلي لأنه رأى عبادتهم غير معقولة عقلا، فضلا عن أنها منافية للشرائع، ولأن العقل حجة في معرفة الصانع تعالى ووحدانيته وتنزيهه عن الولد والصاحبة قبل ورود الشرع إليه، وكذلك استدلاله بالنجوم على معرفة الله وجعلها حجة على قومه، راجع الآية ٧٥ فما بعدها من سورة الأنعام المذكورة، وهكذا فإن كل الرسل حاجّوا قومهم بحجج العقل، لكن لا يراد من هذا الاستدلال جعل معنى الرسول في الآية هو العقل، كلّا لأنه مخالف لاستعمال القرآن، (قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) الآية ٥١ من المؤمن في ج ٢، ولم يقل لهم أولم تكونوا عقلاء، وحاصل الكلام أن تفسير الرسول في هذه الآية بمعنى العقل لا يرتضيه العقل، هذا وإن ما احتج به من يقول إن أهل الفترة غير ناجين، وان بعض ذراري المشركين والمؤمنين ناجون، وبعضهم هالكون هو ما أخرجه أحمد وابن راهوية وابن جردوية والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال أربعة يحتجون يوم القيمة رجل أصمّ لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول يا رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول رب جاء الإسلام والصبيان يخوفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني منك رسول، فيأخذ سبحانه مواثيقهم