للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تتلقى أمرهما برحابة صدر وطلاقة وجه ولين جانب وخفض كلام وتحسين قول لأن النهي عن هذه الكلمة يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء قولا وفعلا وإشارة ورمزا قياسا جليسا، إذ يفهم ذلك بطريق الأولى، ويسمى مفهوم الموافقة ودلالة النص وفحوى الخطاب، وقيل يدل على ذلك حقيقة ومنطوقا في عرف اللغة كقولك فلان لا يملك النقير أو الفتيل أو القطمير فإنه يدل كذلك على أنه لا يملك شيئا قليلا ولا كثيرا. واعلم أنه لو يوجد فيما يخاطب به البشر كلمة يعرف أهل الدنيا على اختلاف لغاتهم أنها تدل على أقل من هذا المعنى لذكرها الله تعالى حفظا لحق الوالدين من أن يصل إليهما ما يكدرهما الثاني «وَلا تَنْهَرْهُما» تزجرهما بغلظة وشدة (وهذا معنى النهر) أي لا تزجرهما مما يتعاطيانه مما لا يعجبك أو تكره ما يريدانه منك وان كان ولا بدّ من ان تقول لهما لا تفعلا كذا مما يكون عدم فعله ضروريا فقل لهما ألا تتركان هذا ألا تعرضان عنه، لأنه كما إنك ممنوع من التضجر بالقتيل والكثير ممنوع أيضا من إظهار المخالفة لهما في القول والفعل والرد عليهما والتكذيب لهما والكذب عليهما، ولهذا روعي هذا الترتيب وإلا فالمنع من التأفيف يدل على المنع من النهر بطريق الأولى فيكون ذكره بعده عبثا، وحاشا كلام الله منه الثالث «وَقُلْ لَهُما» عند المخاطبة أو التكليف بشيء ما أو التعدي عليك لغرض ما «قَوْلًا كَرِيماً» ٢٣ جميلا لاشراسة فيه ولا اكفهرار، بأن تقول يا أبتاه يا أماه مراعيا معهما حسن الأدب، لان مناداتهما باسمهما من الجفاء، وأن يصدر جوابك لهما عن لطف ومنة وعطف، وان تقف أمامهما وقفة المأمور بين يدي الآمر، ولا تقل هاء بل لبيكما وسعديكما، قال ابو الهداج لسعيد بن المسيب كل ما ذكره الله تعالى في القرآن من برّ الوالدين فقد عرفته إلا قوله تعالى (قَوْلًا كَرِيماً) فما هذا القول الكريم؟ فقال ابن المسيب قول العبد المذنب للسيد الفظ. أي يكون بغاية من الرقة والأدب ونهاية من الخضوع والتذلل، قال الراغب كل شيء يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم، الرابع «وَاخْفِضْ» أمر الله تعالى الولد بخفض الجانب لوالديه ليتسارع بالانقياد لما يريد انه منه دون تردد، أي تواضع واخشع وألن «لَهُما جَناحَ الذُّلِّ» بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>