تجعل نفسك ذليلة أمامهما زيادة في التأدب. واعلم ان خفض الجناح مأمور به لكل أحد قال تعالى لحضرة الرسول (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الآية ٨٩ من سورة الحجر في ج ٢، فكيف بالوالدين؟ وهذا اللين المطلوب منك لهما كائن «مِنَ الرَّحْمَةِ» عليهما أي لا يكون خفض جناحك لهما خوفا او رياء او مداهنة او غير ذلك، بل لكمال الرأفة بهما وخالص الشفقة عليهما كما كانا كذلك لك في صغرك حين كنت مفتقرا إليهما إذ آل افتقارهما إليك، ولا
تمنعهما شيئا أحبّاه.
واعلم أن احتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه غاية الضراعة والمسكنة، فيحتاج إلى أشد رحمة وأفرط رأفة ولله در الخفاجي إذ يقول:
يا من أتى يسأل عن فاقتني ... ما حال من يسأل من سائله
ما ذلة السلطان إلا إذا ... أصبح محتاجا إلى عامله
الخامس «وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما» برحمتك الباقية والطف بهما بلطفك الأبدي، أي لا تكتف برحمتك لهما، لأنها فانية، هذا إذا كانا مسلمين، وإذا كانا كافرين فقل ربّ اهدهما ووفّقهما إلى دينك القويم، وسهل لهما أسباب الإيمان ويسر لهما طرق الإسلام لأجتمع بهما في دار كرامتك، لأن الاستغفار والرحمة للكافر منهيّ عنه، قال تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) الآية ١١٣ من سورة التوبة في ج ٣، وقد رد الله عن خليله إبراهيم عليه السلام حين قيل إنه استغفر لوالديه بقوله جل قوله:(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) الآية ١٤ بعدها، ولذلك قال له (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) في الآية ٢٦ من سورة مريم المارة، قال تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) تتمة الآية المارة من التوبة وقد بين تعالى السبب فيما أمر به الولد لوالديه وهو «كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» ٢٤ أي أدع لهما بالرحمة والرأفة والمغفرة جزاء تربيتهما لك وبمقابل رحمتهما بك حال صغرك، ولست بمقابل لهما مهما قمت به لهما، وشتان بين رحمتك لهما ورحمتهما لك إذا قايست بينهما وأنعمت النظر في ذلك، لأن رحمتك لهما عن رعبة ورحمتهما لك عن رغبة. الحكم الشرعي: الأمر هنا للوجوب أي يجب عليك شرعا أيها الولد ذكرا كنت أم أنثى أن تقوم بحوائج والديك بحسب قدرتك،