قال تعالى «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» من نفقة وزيادة عطف، قدّم الله تعالى حق الوالدين لأنهما الأصل، ثم عقبهما بالفروع المحارم، لأن الإنفاق عليهم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب صلة وصدقة وتسمية هذا الإتيان من قبل الله حقا يشعر بإلزام القريب الموسر الإنفاق على قربيه المعسر العاجز على طريق الوجوب، وهذا الحكم الشرعي في ذلك، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية ٢٩ من سورة الروم في ج ٢ نظير هذه الآية، وهذه الآية بالنسبة لما قبلها فيها من أنواع البديع ومحسنات الكلام التعميم بعد التخصيص، لأن الوالدين يدخلان في القربى لغة ولم يتناولهما عرفا، ولذا قالوا في باب الوصية المبنية على العرف لو أوصى لذوي قرابته لا يدخل أبواه، وجاء في المعراج من قال لأبيه قربي فقد عقّه. واعلم أن هذا الحق لا ينحصر في النفقة بل يشمل حسن المعاشرة والرحمة والتوقير، لأن اللفظ عام والآية معطوفة على ما قبلها الشاملة لسائر الحقوق المانعة بجميع أنواع العقوق، وما قيل إن هذه الآية خاصة بحضرة الرسول وأن الله أمره بها ليؤتى أقاربه، أو أنها لما نزلت دعا فاطمة رضي الله عنها فأعطاها فدكا مناف لعموم الآية، لأن فدكا في المدينة وهذه الآية مكية، فضلا عن أنه لا قرينة فيها على التخصيص البتة، ومما يؤيد عدم الإختصاص هو أن فدكا لم تكن إذ ذاك تحت تصرف المصطفى صلّى الله عليه وسلم وكانت طلبتها إرثا بعد وفاته. أما ما قاله الحسن بأن هذه الآية مدنية فيصحّ على قوله ما قيل في سبب نزولها، وحينئذ يراد بالحق هنا الزكاة المفروضة، إلا أن سياق الآية يدل على أنها مكيّة كورتها على قول الجمهور والله أعلم، «وَالْمِسْكِينَ» الذي لا مال له ولا كسب وهو عاجز، أما الفقير فالذي لا يكفيه كسبه، وقيل بالعكس راجع الآية ٧٨ من سورة الكهف في ج ٢، «وَابْنَ السَّبِيلِ» المسافر الذي انقطع عن أهله ولو كان غنيا في بلده، أي أعط أيها الغني مما أعطاك الله هذين الصنفين أيضا بعد أبويك وقرابتك مما زاد على حاجتك من مالك بقدر ما يسد حاجتهما «وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» ٢٦ بمالك وتسرف فيه، بأن تعطيه من لا يستحقه