عنه وإلا فلا مناص عن الهلاك فيه والوقوع في شره، وهذه الآية المدنية الأخيرة قال تعالى «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ» يعلم أنك تقوم «نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ» لعلمه أنهم يقومون أيضا مثل قيامه «والله» المطلع عليكم هو «يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» لا يفوته علم ما تفعلونه فيه أنتم وسائر مخلوقاته ولكنه جلّت قدرته «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ» ولن تستطيعوا ضبط ساعاته ولا يتأتى لكم حسابها على النحو المطلوب منكم بالتعديل والتسوية. ولما كان في ذلك مشقة عليكم وكلفة «فَتابَ عَلَيْكُمْ» ورفع التبعة عنكم ورخص لكم ترك قيامه كله وأسقطه عنكم تخفيفا عليكم بعفوه ولطفه وذلك أن الأصحاب كانوا يقومون الليل كله مخافة أن لا يصيبوا القدر الذي أمروا به لأنهم لا يدرون متى الثلث والنصف والثلثان على الضبط فاشتد ذلك عليهم حتى تورمت أقدامهم فأنزل الله «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» أي جزءا من أجزائه حسب استطاعتكم. هذا، وما قيل إنه كان بين نزول الآيات أول السورة وهذه الآية سنة وستة عشر شهرا لأن فرض القيام كان قبل فرض الصلاة، يردّه ما يأتي آخر هذه الآية على أن فرضيته قبل فرض الصلاة على فرض صحتها لا تدل على أنه كان بعد تلك المدة وإنما كان قيام الليل بالمقدار الأول الوارد أول السورة فرضا كما ذكر آنفا فخففه الله في هذه الآية إلى النقل وكان بمقدار معين فجعله الله بشيء يسير منه وبمطلق قراءة آية ما بين المغرب والصبح حسب الاستطاعة. والصحيح ان قيام الليل بقي ما يقارب عشر سنين فرضا على حضرة الرسول نفلا على من تبعه ممن آمن به من أمته، ثم خففت فرضيته في حقه وبقي سنة في حق أمته بدليل قوله تعالى (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الآية ٧٩ من سورة الإسراء الآتية كما سنبينه في تفسيرها إن شاء الله. وتقدم في مطلب الناسخ والمنسوخ التوجيه بين هذه الآية والآيات التي في صدر هذه السورة فراجعه ومنه تعلم أن لا ناسخ ولا منسوخ هنا خلافا لما قاله بعض المفسرين بل أكثرهم بأن الآيات الأول منسوخة في هذه الآية الأخيرة، روى مسلم عن سعيد بن هشام قال: انطلقت إلى عائشة فقلت