للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعها لا تقبل ولا يكفر وزرها بدون أن يستحل من المغتاب ويستعفيه عما وقع منه، وهذا قد لا يتيسر، فلهذا كانت الغيبة أشد من الزنى من هذه الحيثية لا مطلقا، وعلم من هذا أن الزاني لا يحتاج إلى الاستحلال من أولياء المزني بها إذا كان برضاها، ومنها أيضا إن كان كرها لما يترتب عليه من المفاسد التي قد تؤدي إلى قتل الزاني والمزني بها أو لهما معا، دفعا لما يلحقهم من العار ويولد فتنا وغيظا وحقدا لا تكاد تتلافى، لأن الزوج والقريب يقدم على القتل فيه بمجرد التوهم فكيف مع التحقيق، أجارنا الله من ذلك كله، وليعلم أن ثمرات الزنى قبيحة في الدنيا، يورث الفقر ويذهب بهاء المؤمن ويقصر العمر ويؤخذ بمثله من ذربة الزاني، راجع ما قدمناه في الآية ٣٢ المارة وحديث من زنى زني به، أي من غير حاجة إلى ترصد محارمه والزنى بهن خارجا عن داره، بل قد يكون في وسط داره وعلى فراشه والعياذ بالله، حفظنا الله وعصمنا بحرمة نبيه وآله. وقد اتفق أن بعض الملوك لما سمع هذا الحديث أراد تجربته وكانت له بنت في غاية الحسن والجمال، فأنزلها مع امرأة وأمرها أن لا تمنع أحدا أراد التعرض لها بأي شيء شاء وأمرها بكشف وجهها، فطافت بها الأسواق، فما مرت على أحد إلا وأطرق حياء وخجلا منها، فلما طافت بها المدينة كلها ولم يمدّ أحد نظره إليها، رجعت بها إلى دار الملك فلما أرادت الدخول أمسكها إنسان وقبلها وذهب، فأدخلتها وأخبرت الملك بذلك، فخر ساجدا لله تعالى وقال الحمد لله ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة، وقد قوصصت بها، فنسأل الله أن يعصمنا وذرارينا من الفواحش والموبقات كلها ما ظهر منها وما بطن.

هكذا كانت الملوك وسننهم في رعاياهم، وملوك الآن على ما نحن فيه لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تكونوا يولى عليكم، هذه عاقبة الزنى في الدنيا، أما عاقبته في الآخرة فالدخول في جهنم والعذاب الأليم فيها، أجارنا الله من ذلك. واحتج في هذه الآية ثقات القياس، لأنّ قفو للظن ولا حكم به، لأن قوله تعالى (وَلا تَقْفُ) عام دخله التخصيص وهو النهي عن العمل بالظن، وأجيب بأن الأمة أجمعت على الحكم بالظن والعمل به في صور كثيرة، منها الصلاة على الميت الذي لم يعرف ودفنه في مقابر المسلمين، وتوريت المسلم منه بناء على أنه مسلم وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>