للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المثلات بأسباب نقلت عنهم، فنكل عنها احترازا عن مثله من الجزاء، ولا غرو أن الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في المعلول كما بيناه في المطلب الرابع من المقدمة فراجعه، ومن أراد التفصيل فعليه بكتب الأصول، هذا وإن الأحكام المثبتة بالأقيسة كلية معتبرة في وقائع كلية مضبوطة، وإن التمسك بالآية تمسك بعام مخصوص وهو لا يفيد إلا الظن، تأمل قوله تعالى «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» ٣٦ أي أن هذه القوى الثلاث المشار إليها في هذه الآية الكريمة كسائر الجوارح الأخر من كل إنسان مستجمع لها يسأل يوم القيامة عما اقترفتها، فالبصر يسأل عما أبصره، والسمع عما سمع، والقلب ماذا وعى ووقر فيه، وهكذا اليد والرجل والفم، أو أن الله تعالى يسأل هذه الجوارح نفسها عن صاحبها هل استعملها فيما خلقت له بأن استعمل النظر في كتاب الله وآلائه ومكنوناته، والسمع في سماع القرآن والذكر والكلم الطيب، والفؤاد هل وقر فيه النصح للمسلمين وحبهم والحميّة لهم، أم لا بأن استعملها على العكس فصرف نظره للمحارم، وسمعه للغيبة وقول السوء، وقلبه للحقد والغل والحسد للناس، واليد للبطش بغير حق،

والرجل للمشي إلى ما لا يرضي الله وما أشبه ذلك. هذا وقد أشار الله تعالى إلى هذه الجوارح بإشارة العقلاء على القول بأنها مختصة بهم تنزيلا لها منزلتهم، لأنها مسئولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها. وقال بعضهم إنها غالبة في العقلاء، وجاءت لغيرهم من حيث أنهم اسم جمع (لذا) أي لفظ أولئك اسم جمع لذا وهو أي ذا يعم القبيلين من يعقل ومن لا يعقل ومن ذلك قول جرير:

ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

مطلب ما يجب أن تبادر به الناس والوصايا العشر وغيرها:

قال تعالى «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» فخرا وكبرا وخيلاء وتبطرا تتعاظم عليهم، وتتكابر في مشيتك على الناس وأنت منهم «إِنَّكَ» أيها الإنسان المتصف في هذه المشية المكروهة «لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ» بمشيتك هذه الممقوتة، فتتصور أنك تثقبها بشدة وطأتك كلا «وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا» ٣٧ بتشامخك ومدّ عنقك وقامتك مهما تطاولت، فأنت أنت بل تتصاغر في أعين قومك،

<<  <  ج: ص:  >  >>