للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية ٤٦ من سورة الزّمر في ج ٢، قال تعالى «نَحْنُ أَعْلَمُ» يا حبيبنا «بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ» من اللغو والاستخفاف والهزؤ بك وبكتابك والتكذيب لك وله «إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» وهذا تأكيد الوعيد بالإخبار بأنه كما يقع الاستماع منهم يتعلق به علم الله «وَإِذْ هُمْ نَجْوى» يتسارون بينهم بأن ما يسمعونه منك سحر وكهانة وأساطير الأولين، وانك ساحر وكاهن أو مجنون أو تعلمته من الغير أو اختلفته من نفسك ثم يتجاهرون به فيقول بعضهم لبعض ما ذكره الله يقول «إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ» أقيم المضمر مقام المظهر عنا مع وصفهم بالظلم للدلالة على أن تناجيهم هذا باب عظيم

من أبوابه «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» ٤٧ يا سادة قريش أي إذا كنتم تريدون الاتباع فرضا ما تتبعون إلا رجلا سحر فجنّ وكانوا يعتقدون أن ذلك بتأثير السحر وهو معروف عندهم، لأن الشرائع السابقة جاءت به، وقد عرفوه من أهل الكتاب ووجوده حق عند اهل السنّة والجماعة، وانهم يريدون بأنه صلّى الله عليه وسلم سحر فصار مطبوبا مخدوعا يأكل ويشرب مثلكم، ويريد أن يتفضل عليكم بما يتلوه من ذلك السحر من غير أن يمتاز عليكم بشيء. روي أنه صلّى الله عليه وسلم كان حين يريد إبلاغ قومه ما أنزل عليه من كلام ربه يقوم عن يمينه رجلان من بني عبد الدار، وعن يساره رجلان منهم، فيصفّقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار لئلا يفهم الناس ما يقول، قاتلهم الله، ومن هنا اقتدي بعض نواب الأمة حينما يسمعون خطيبا من معارضيهم فيما لا يرومونه تراهم يصيحون ويضربون بأيديهم على الرحلات ويصفقون ويصفرون أيضا، فلا حول ولا قوة إلا بالله تشابهت قلوبهم، وفي هذه الآية مما يدل على التهديد والوعيد ما لا يخفى، قال تعالى «انْظُرْ» يا أكمل الرسل «كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ» مما وصموك به من السحر وغيره وما شبهوا ما تتلوه عليهم من وحينا بأساطير الأولين وغيرها مع علمهم أنك وكتابك على خلاف ذلك، «فَضَلُّوا» في هذا التمثيل والتشبيه والوصف عن منهاج المحاجة، والطريق الأقوم والحقيقة الناصعة لميلهم إلى الضلال والاعوجاج «فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا» ٤٨ إلى الحق السوي والطريقة المستقيمة بل يتهافتون إلى أضدادها، ويسلكون السبل المهلكة، ويخبطون في أقاويلهم الأباطيل الظاهر كذبها لكل أحد، وفي هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>