رأسه، فقال أبو بكر لرسول الله ما رأتك، قال لم يزل ملك بيني وبينها. راجع سورة المسد المارة تجد ما هو أوضح من هذا، واحتج أصحابنا في هذه الآية على أنه يجوز أن تكون الحاسّة سليمة ويكون المرئي حاضرا لا يرى بسبب أن الله تعالى يخلق فيها مانعا يمنع من الرؤية، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان حاضرا وحاسة هذه المرأة سليمة ولكنها لم تره، وقد أخبر الله تعالى أن عدم الرؤية للحجاب المستور الذي جعله بينه وبينها، ولا معنى للحجاب المستور إلا الذي يخلقه الله في عيون الرائي ما يمنعه من الرؤية وهو حاضر، وإذا كان الله تعالى جعل الحجاب الذي هو حائل غير مرئي، فكيف بالمحجوب؟ على أن كثيرا من الأشياء موجودة حسا غير مرثية كحركة الظلّ وفلكة المغزل، والمروحة عند شدة حركتها، راجع الآية ٩٥ من سورة الفرقان المارة، ولكن هذا غير ذلك «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً» أغطية كثيرة جمع كنان بمعنى الغشاء «أَنْ يَفْقَهُوهُ» لئلا يقفوا على كنه معانية ويعرفوا حقيقة مبانيه أي أنا منعناهم عن فهمه «وَ» جعلنا «فِي آذانِهِمْ وَقْراً» ثقلا وصمما عظيما مانعا من سماعه سماعا يليق به لسابق علمنا أنهم لن ينتفعوا به وبمن أنزله، وذلك لأنهم لا يلقون له بالا ولا يتدبرون المراد منه، وهذه التمثيلات معربة عن كمال جهلهم بشئون المنزل عليه وفرط نبوّ قلوبهم عن فهم القرآن وإيذان بأن ما تضمّنه القرآن من التسبيح في غاية الظهور، بحيث لا يتصور عدم فهمه إلا لمانع قوى يعتري المشاعر فيبطلها، وتنبيه على أن حالتهم هذه أقبح من حالتهم السابقة، ولهذا جعل الله هذا المانع في عين حمالة الحطب لئلا يجعل أذاها لحضرة الرسول تنفيذا لوعده له بالحفظ من أذى قومه «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» بأن قلت لا إله إلا الله ولم تقرنه بذكر آلهتهم التي يزعمونها، وكلمة وحده اسم موضوع موضع المصدر أي إذا أقررت ربك بالذكر «وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» ٤٦ من سماع ذكر انفراد الإله الواحد وهربوا هروبا كراهية ذلك وما قيل ان الضمير في (ولّوا) يعود إلى الشياطين لا يصحّ، لعدم سبق ذكر لها بل يعود للمشركين السابق ذكرهم، فجعله يعود إلى غيرهم مخالف لسياق الكلام، وما جاء عن ابن عباس من الخبر في هذا لا يصح ونظير هذه الآية