عند محاورتهم مع المشركين الكلم والجمل والعبارة «الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» من البذاء في المخاطبات والفحش في المحاولات، ولا تخاشنوهم بالكلام ليظهر فضلكم عليهم ويمجدكم من يحضر مناظرتكم «إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ» يفسد ويهيّج الشرّ بما يوقعه من الوسوسة والخنس «بَيْنَهُمْ» أي الفريقين ويريد أن يقول المؤمنون للكافرين القولة التي هي أشر، مما يؤدي إلى تأكيد العناد وتمادي الفتنة واشتداد العداء «إِنَّ الشَّيْطانَ» الذي دأبه إلقاء الفتن وديدنه إيقاع الفساد وعادته تحريك الشرّ «كانَ» قديما ولم يزل «لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً» ٥٣ مظهرا العداوة، نزلت هذه الآية حين شكى المسلمون إيذاء الكافرين فأوحى الله إلى رسوله أن يأمر المؤمنين بعدم مكافأتهم على سفههم، وأن يقولوا لهم ما هو الخير. وقيل نزلت في عمر بن الخطاب حين أمر بالعفو عمن شتمه، وسياق اللفظ يأباه، والآية عامة في جميع المؤمنين بأن يفعلوا الخلّة الحسنة من قول أو عمل بعضهم مع بعض ومع غيرهم، ولا تأخذهم وساوس الشيطان ودسائسه فيما يقع بينهم، ممّا يؤدي إلى الخصومة، وأن يتذكروا عداوته القديمة فيرفضوا نزغاته. ومما يدل على كونها للعموم قوله تعالى «رَبُّكُمْ» أيها الناس «أَعْلَمُ بِكُمْ» وبما يؤول إليه أمركم مما أنتم صائرون إليه بحسب علمه الازلي «إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ» فيوفقكم للنجاة من الكفار وأذاهم كما وفقكم للإيمان «أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ» بتسليطهم عليكم، وعلى القول بأن الآية في الكفار يكون المعنى بأن يميتكم على الشرك، واعلم أن هذه الجمل الثلاث كالتفسير لقوله تعالى (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والجملتان قبلها (إن الشيطان. إن الشيطان) كالاعتراض بينهما، فكأنه قيل يا أيها المؤمنون قولوا للمشركين الذين يؤذونكم بالكلام هذه الجمل الثلاث، لان أمرهم معلق على المشيئة، ولا تصارحوهم فتقولوا لهم إنكم من أهل النار مثلا، فإنه مما يهبجهم على الشرّ، لأن الخاتمة مجهولة لا يعلمها إلا الله، ولا يبعد أن يهديهم فيكونوا من أهل الجنة (وأو) هنا للإباحة كقولك جالس العلماء أو الحكماء لإمكان مجالستهما معا فإنها محتملة وجائزة، وقد تكون للتخيير فيما لا يمكن الاجتماع كقولك تزوج هندا أو أختها، ودخلت لسعة الأمرين عند الله تعالى. ثم التفت جل شأنه إلى رسوله فقال