مهما كانت الظروف، فهذه الآيات صرخ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأيام الأولى ولم يكن معة من يغني عنه فتيلاً، في الوقت الذي تمالأ عليه الشرك وأهله لمحوه من الوجود.
ولم أر من المفسرين للقرآن من أدرك هذه النقطة غير صاحب التفسير الحديث حيث يقول تعليقاً على آيات سورة اقرأ (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ): والتهديد والتحدي والإنذار والتنديد بالطاغية قوي كل القوة عنيف كل العنف.
وتبدو روعة هذه القوة حينما يلاحظ أن النبي عليه السلام لم يكن قد آمن به من يستطيع له نصراً ويقف إلى جانبه، وأن المتصدي له زعيم معتد بقوته وماله وجاهه وناديه.
وإذ يتصور المرء النبي صلى الله عليه وسلم، يصرخ بملء فيه صرخته المدوية " كلا، كلا " ثم يقذف بكلمات التنديد والتهديد والتحدي والإنذار القرآنية النارية غير مبال بالزعامة وقوتها، وهو من دون نصير من الناس، يدرك من دون ريب تلك الشجاعة التي كان يتحلى بها والتي استمدها من إيمان قوي عميق متول على مشاعره، جعله لا يرى إلا عظمة لله ولا قوة إلا لله ولا سلطاناً إلا لله، وجعله يرى كل ما عداه أضعف من أن يخشى، وأعجز من أن يستطيع له نفعاً أو ضراً، أو يقف أمام دين الله ويحول دون الدعوة إليه. ويدرك بهذا ما تحلى به من عظمة الخلق وقوة الجنان وعمق اليقين.
ويتبادر من عنف الآيات وقوتها القارعة أن الحكمة الربانية اقتضت أن يكون الرد على أول متصد للنبي صلى الله عليه وسلم، من الزعماء الأقوياء بهذا الأسلوب لتثبيت النبي وأصحابه القلائل الذين آمنوا به ومواجهة الزعيم القوي بقوة وعنف يصدمانه على غير توقع.
ولا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد تلا الآيات على أصحابه، فقوت من روحهم وزادتهم إيماناً، ووصلت إلى صاحبها وناديه فصعقهم بعنفها وجعلتهم يشعرون بالقوة الروحية التي يستمد منها النبي،