وقوله (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول) يدل على أن القياس حجة.
وهذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقاً فلا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس ألبتة سواء كان القياس جلياً أو خفياً، وسواء كان النص مخصوصاً قبل ذلك أم لا.
ومما يدل عليه أن قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أمر بطاعة الكتاب والسنة وهذا الأمر مطلق فثبت أن متابعتهما سواء حصل قياس يعارضهما أو يخصصهما أو لم يوجد واجب.
ومما يؤكد ذلك وجوه أخرى (أحدها) أن كلمة (إن) على قول الأكثرين للإشتراط وعلى هذا كان قوله (فإن تنازعتم) صريحاً في أنه لا يجوز العدول إلى القياس إلا عند فقدان الأصول (الثاني) أنه تعالى أخر ذكر القياس عن ذكر الأصول الثلاثة وهذا مشعر بأن العمل به مؤخر عن الأصول الثلاثة.
(الثالث) أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر هذا الترتيب في قصة معاذ حيث أخر الاجتهاد عن الكتاب، وعلق جوازه على عدم وجدان الكتاب والسنة بقوله " فإن لم تجد ".
(الرابع) أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ثم إن إبليس لم يدفع هذا النص بالكلية بل خصص نفسه عن ذلك العموم بقياس، ثم أجمع العقلاء على أنه جعل القياس مقدماً على النص وصار بذلك السبب ملعوناً، وهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس تقديم للقياس على النص وأنه غير جائز.
(الخامس) أن القرآن مقطوع في متنه لأنه ثبت بالتواتر، والقياس ليس كذلك بل هو مظنون من جميع الجهات، والقطوع راجح على المظنون.