للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن القاتل عمداً داخل تحت المشيئة تاب أو لم يتب، وقد أوضح الشوكاني في شرحه على المنتقى متمسك كل فريق، والحق أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص بل هو مفتوح لكل من قصده ورام للدخول منه، وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب وأشدها تمحوه التوبة إلى الله ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتها القتل عمداً.

لكن لا بد في توبة قاتل العمد من الاعتراف بالقتل وتسليم نفسه للقصاص أن كان واجباً أو تسليم الدية إن لم يكن القصاص واجباً وكان القاتل غنياً متمكناً من تسليمها أو بعضها، وأما مجرد التوبة من القاتل عمداً وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد من دون اعتراف ولا تسليم نفس فنحن لا نقطع بقبولها، والله أرحم الراحمين هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

وقد تعلقت المعتزلة وغيرهم بهذه الآية على أن الفاسق يخلد في النار، والجواب أن الآية نزلت في كافر قتل مسلماً، وهو مقيس بن ضبابة، وهي على هذا مخصوصة، وقيل المعنى من قتل مسلماً مستحلاً لقتله وهو كفر، وعن أبي مجلز قال: هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل، أخرجه أبو داود.

وقيل الخلود لا يقتضي التأبيد بل معناه طول المكث. قاله البيضاوي.

وقد ثبت في أحاديث الشفاعة الصحيحة إخراج جميع الموحدين من النار، قال الكرخي: الظاهر أنه أراد التشديد والتخويف والزجر العظيم عن قتل المؤمن لا أنه أراد بعدم قبول توبته عدمه حقيقة، وظاهره أن الآية من المحكم لأنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولو بلفظ الخبر، أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله نسخ ومنه الوعد والوعيد قاله الجلال في الإتقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>