(ثم أتموا الصيام إلى الليل) أمر وهو للوجوب وهو يتناول كل الصيام عند أبي حنيفة، وقال الشافعية إنما ورد هذا في بيان أحكام صوم الفرض، ويدل على إباحة الفطر من النفل حديث عائشة في مسلم وفيه أهدى لنا حيس، قال أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل، وقيل للوجوب في صوم الفرض وللندب في صوم النفل، وقيل للوجوب فيهما.
وفي الآية التصريح بأن للصوم غاية هي الليل فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من الغرب يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب وغيرهما.
(ولا تباشروهن) قيل المراش بالمباشرة هنا الجماع، وقيل يشمل التقبيل واللمس إذا كانا بشهوة لا إذا كانا بغير شهوة فهما جائزان كما قاله عطاء والشافعي وابن المنذر وغيرهم، وعلى هذا يحمل ما حكاه ابن عبد البر من الإجماع على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل فتكون هذه الحكاية للإجماع مقيدة بأن يكون بشهوة.
(وأنتم عاكفون في المساجد) الاعتكاف في اللغة الملازمة يقال عكف على الشيء إذا لازمه، ولما كان المعتكف يلازم المسجد قيل له عاكف في المسجد ومعتكف فيه، لأنه يحبس نفسه لهذه العبادة في المسجد، والاعتكاف في الشرع ملازمة طاعة مخصوصة على شرط مخصوص، وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب، وعلى أنه لا يكون إلا في المسجد.
بين سبحانه في هذه الآية أن الجماع يحرم على المعتكف في الليل والنهار حتى يخرج من اعتكافه. وللاعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه وشروح الحديث.
وأقول أن قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) جملة إنشائية نهيية مسوقة لتحريم مباشرة النساء في حال الاعتكاف في المساجد، فقوله (في المساجد) متعلق بقوله (عاكفون) وليست لبيان النهي عن مباشرة