ومعلوم عند كل من يفهم أنه ليس في هذه الآية ما يرد به قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد واليمين، ولم يدفعوا هذا إلا بقاعدة مبنية على جرف هار هي قولهم إن الزيادة على النص نسخ، وهذه دعوى باطلة بل الزيادة على النص شريعة ثابتة جاءنا بها من جاءنا بالنص المتقدم عليها، وقد أوضحت ذلك في كتابي حصول المأمول من علم الأصول فليرجع إليه.
وأيضاً كان يلزمهم أن لا يحكموا بنكول المطلوب، ولا بيمين الرد على الطالب، وقد حكموا بهما، والجواب الجواب.
(أن تضل إحداهما) قال أبو عبيد: معنى تضل تنسى أي لنقص عقلهن وضبطهن، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء (فتذكر إحداهما) أي الذاكرة (الأخرى) أي الناسية، قرىء فتذكر بالتخفيف ومعناها تزيدها ذكراً وقراءة الجماعة بالتشديد أي تنبهها إذا غفلت ونسيت.
وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء أي فليشهد رجل ولتشهد امرأتان عوضاً عن الرجل الآخر لأجل تذكير إحداهما الأخرى إذا ضلت، وعلى هذا فيكون في الكلام حذف وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضاً عن الرجل الواحد، فقيل وجهه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى.
والعلة في الحقيقة هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سبباً له نزل منزلته وأبهم الفاعل في تضل وتذكر لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان، فالمعنى إن ضلت هذه ذكرتها هذه وإن ضلت هذه ذكرتها هذه لا على التعيين أي إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها الأخرى.
وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال.
وقد يكون الوجه في الإبهام أن ذلك يعني الضلال والتذكير يقع بينهما