متناوبا حتى ربما ضلت هذه عن وجه، وضلت تلك عن وجه آخر، فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها.
قال سفيان بن عُيَينة: معنى قوله (فتذكر إحداهما الأخرى) تصيرها ذكراً يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد، وروى نحوه عن أبي عمرو بن العلاء، ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع ولا لغة ولا عقل.
(ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) أي لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل، وقيل إذا ما دعوا لتحمل الشهادة، وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم، وحملها الحسن على المعنيين وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام.
(ولا تسأموا) أي لا تملوا ولا تضجروا، والخطاب للمؤمنين أو للمتعاملين أو للشهود (أن تكتبوه) أي الدين الذي تداينتم به وقيل الحق وقيل الشاهد وقيل الكتاب، نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملوا من كثرة المداينة أن يكتبوا.
ثم بالغ في ذلك فقال (صغيراً أو كبيرا) أي لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيراً أو قليلاً وعلى أي حال كان الكتاب مختصراً أو مشبعاً، وقدم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال أن هذا مال صغير أي قليل لا احتياج إلى كتبه (إلى أجله) أي إلى محل الدين أو الحق.
(ذلكم) أي المكتوب المذكور في ضمير قوله أن تكتبوه (أقسط عند الله) أي أعدل وأحفظ وأصح، من القسط بالكسر، والقسوط الجور والعدول عن الحق (وأقوم للشهادة) أي أعون على إقامة الشهادة وأثبت لها، وهو مبني من أقام وكذلك أقسط مبني من فعله أي أقسط وقد صرح سيبويه بأنه قياسي أي بناء أفعل التفضيل.