فيجوزُ شِراء وبيع الموادِّ الغذائيَّة التي يصنعها أهل الكتاب؛ لأنَّ الأَصْلَ حِلُّ طعامهم؛ لقول الله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: ٥]، ولا يَحْرُم ذلك لمُجرَّد الشكِّ في كَوْنها ربَّما تحتوي على موادَّ مُحرَّمة؛ كلَحْم الخنزير أو غيره، ومن أراد أن يمتنع عن الشراء والبيع حتَّى يتأكَّد، فهذا جائزٌ، وهو من الوَرَع، وبابُه واسِعٌ، وقد جاء في الحديث:(وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ). رواه الطبرانيُّ وغيره.
وأمَّا إذا ارتقى الأمر من مُجرَّد الشكِّ في احتواء تلك الموادِّ الغذائيَّة على لحم الخنزير أو غيره من المُحرَّمات، إذا ارتقى إلى غَلَبَة الظنِّ، فإنَّه حينئذٍ يتعارض الأصلُ مع غَلَبةِ الظنَّ؛ فهل يُحكَمُ بالإباحة بناء على الأصل؟ أم يُحكَمُ بالمنع بناءً على غَلَبةِ الظنَّ؟ هذا مَحلُّ اجتهادٍ ونَظَرٍ بين العُلماء.
قال العزُّ ابن عبد السَّلام في (قواعد الأحكام): «قد يتَعارَضُ أصلٌ وظاهِرٌ، ويَختلِفُ العُلماءُ في ترجيح أحدهما لا من جهة كَوْنِه اسْتِصْحاباً؛ بل لِمُرَجِّحٍ يَنْضَمُّ إليه من خارجٍ». اهـ.
وقال الدكتور/مصطفى الزُّحَيلي في (القواعد الفقهيَّة وتطبيقاتها): «الأصلُ: هو القاعدة المُسْتَمِرَّة أو الاستصحاب ... الغالبُ: هو رُجْحان الظنِّ بما يُخالِفُ الأصلَ، وقد يُعبَّر عنه بالظَّاهِر. فإذا تَعارَضَ الأصلُ؛ وهو البَراءةُ الأصليَّة مع الغالِب؛ وهو رُجْحان الظنِّ بما يُخالِفُ الأصلَ، فأحياناً يُقدَّم الأصلُ على الغالِب بالإجماع، وأحياناً يُقدَّم الغالِب بإجماع، وأحياناً يكون التعارض بين الأصل والغالِب مَحلُّ اجتهادٍ، فيُغَلَّبُ الأصلُ تارةً؛ لتَرَجُّحِه بالظَّواهر وقَرائن الأحوال، وتارةً يُقَدَّم الغالِب؛ لقواعد أخرى في الشريعة ... » اهـ.
فإذا كانت تلك البلاد يَكْثُر فيها استعمال الأشياء المُحرَّمة، وخَلْطُها بالأَطْعِمَة كَثْرةً تُكَدِّر صَفْوَ الاطمئنان