حَرَّم الإسلام المباح إذا كان مِنْ شأنه أن يَغلِبَ ضررُه، بل نراه يُحرِّم العبادة المفروضة إذا تيقَّن أنَّها تضرُّ أو تضاعف الضرر.
أضرارُ الدُّخانِ في الصحَّة والمال تقتضي حَظْرَه:
وإذا كان التَّبْغ لا يُحدِثُ سُكْراً، ولا يُفسِدُ عَقْلاً، غير أنَّ له آثاراً ضارَّة، يَحُسُّها شاربُه في صحَّته، ويَحُسُّها فيه غير شاربه. وقد حلَّل الأطبَّاء عناصره وعرفوا فيها العنصر السامَّ الذي يقضي -وإن كان ببطء- على سعادة الإنسان وهنائه. وإذن فهو ولا شكَّ أذى وضارٌّ. والإيذاء والضرر خُبْثٌ يُحظَرُ به الشيءُ في نظر الإسلام، وإذا نظرنا مع هذا إلى ما يُنْفَقُ فيه من أموال، كثيراً ما يكون شاربه في حاجة إليها، أو يكون صَرْفُها في غيره أنفع وأجْدَى.
إذا نظرنا إلى هذا الجانب عرفنا له جهة ماليةً تقضي في نظر الشريعة بحَظْرِه وعدم إباحته.
ومن هنا نعلم -أخذاً من معرفتنا الوثيقة بآثار التَّبْغ السيِّئة في الصحَّة والمال- أنَّه ممَّا يمْقُته الشرع ويكرهه، وحُكْم الإسلام على الشيء بالحُرْمة أو الكراهة لا يتوقَّف على وجود نصٍّ خاصٍّ بذلك الشيء، فلِعِلَلِ الأحكام وقواعد التشريع العامَّة قيمتها في معرفة الأحكام، وبهذه العِلَل وتلك القواعد كان الإسلام ذا أهليَّة قويَّة في إعطاء كُلِّ شيءٍ يستحدثه الناس حكمه من حِلٍّ أو حُرْمة، وذلك عن طريق معرفة الخصائص والآثار الغالبة للشيء؛ فحيث كان الضرر كان الحَظْر، وحيث خَلُصَ النَّفْع أو غلب كانت الإباحة. وإذا استوى النَّفْع والضرر كانت الوقاية خيراً من العلاج.
[الفتاوى، محمود شلتوت (ص ٣٨٣ - ٣٨٥)]
* * *
(٩٣٣) السؤال: [ما] حُكمُ تناول الدُّخَّان؟ [وما] الدليل على تحريمه