بل ومن عَجَبٍ أيضاً أن يُدْرِكَ عَربيٌّ في جاهليَّته ما في الخَمْر من سيِّئاتٍ ومُنكراتٍ، وما تُؤدِّي إليه من مقابِح ومآثِم، فيُحرِّمها على نفسه؛ فهذا قَيْسُ بن عاصِمٍ الصَّحابيُّ المشهور، الذي أسْلَم في وفد بني تَمِيم سَنَة تِسْعٍ من الهِجرَةِ، والذي قال فيه الرسول الكريم:(هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الوَبَرِ ... )، كان عاقلاً حليماً، وكان في الجاهليَّة يشربُ الخَمْر على عادة قومه، فَسَكِرَ ذات يومٍ وأعطى الخَمَّارَ مالًا كثيراً، ثمَّ عاد إلى بيته، فغَمَز ابنَتَهُ وسَبَّ أَبَوَيْها، وتكلَّم كلاماً قبيحاً، فلمَّا أفاق أخبروه بذلك، فحَرَّمَ الخَمْر على نَفْسِه وهو في الجاهليَّة، وقال في سَبِّها أشعاراً كثير ة؛ منها:
أظنُّ أنَّه يَسْهُل علينا بعد ذلك كُلِّه أن نَعرِفَ أنَّ الإسلامَ يُحرِّم استعمال الخَمْر كدواءٍ، وهذا ما أجمع عليه جمهور العُلماء، على أنَّ البعض قد قال بجواز التَّداوي بالنَّجِس والخَمْر عند الاضطرار، بشَرْط أن يُشِير بذلك الطَّبيبُ المُسلِمُ الحاذِقُ، وأن يقتَصِرَ فيه على قَدْر الضَّرورة والحاجة. والله تبارك وتعالى أعلم.
[يسألونك في الدين والحياة (٢/ ٢٩٨ - ٢٩٩]
* * *
اسْتِعْمَالُ الخَمْرِ لِعِلَاجِ الأَمْرَاضِ
(١٠٢٨) السؤال: ادَّعَى طبيبٌ أنَّ
(١) معظم المصادر «صالحة». انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (٣/ ١٢٩٥)، الوافي بالوفيات للصفدي (٢٤/ ٢١٤)، وفي تهذيب الكمال للمزي (٢٤/ ٦٣): «جامحة».