ومن هذا يُعلَمُ أنَّ المسلمين الموجودين في البلاد الأجنبيَّة لا يُباحُ لهم أكلُ لحمِ الخِنزيرِ أو شحمه؛ لعدم الاضطرار إليه، لإمكان سَدِّ الرَّمَقِ بسواه من اللُّحوم والطُّيور والأسماك والزيوت والسَّمْن الصِّناعِيِّ والحلال من الطعوم. والله أعلم.
[فتاوى شرعية، حسنين مخلوف (رقم ٦٣)]
* * *
(٥٤) السؤال: [ما حُكمُ شَحْم الخنزير؟ لا سيَّما وأنَّه بلغنا عن بعض عُلماء العصر حِلُّ ذلك.]
الجواب: الذي عليه الأئمَّة الأربعة وعامَّة أهل العِلْم هو تحريم شحمه تبعاً للحمه، وحكاه الإمام القُرطُبيُّ والعلَّامة الشوكاني إجماعَ الأُمَّة الإسلاميَّة؛ لأنَّه إذا نُصُّ على تحريم الأشرف، فالأدنى أَوْلَى بالتحريم؛ ولأنَّ الشَّحْم تابع للَّحْم عند الإطلاق؛ فيعمُّه النهي والتحريم؛ ولأنَّه متَّصلٌ به اتِّصال خِلقة؛ فيحصل به من الضرر ما يحصل بملاصِقِه، وهو اللحم؛ ولأنَّه قد ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يدلُّ على تحريم الخنزير بجميع أجزائه، والسُّنَّة تُفسِّر القرآن، وتُوضِّح معناه، ولم يخالف في هذا أحدٌ فيما نعلم، ولو فرضنا وجود خلافٍ لبعض الناس، فهو خلافٌ شاذٌّ مخالفٌ للأدلَّة والإجماع الذي قبله، فلا يلتفت إليه.
وممَّا ورد في السنَّة في ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه (أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الفَتْحِ؛ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ ... ) الحديث، فجعل الخنزير قرين الخمر والميتة، ولم يستثن شحمه، بل أطلق تحريم بيعه، كما أطلق تحريم بيع الخمر والميتة، وذلك نصٌّ