إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إِله إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ من أجلِّ نِعَم الله تعالى على عِبادِهِ أن سَخَّرَ لهم ما في الأرض؛ فَرَزَقَهم من خَيْراتِها، وأباحَ لهم طيِّباتِها، يأكلون منها، وينتفعون بها، وحَرَّم عليهم الخبائثَ وكُلَّ ما من شَأْنِه إلحاقُ الضَّرَر بهم؛ قال تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: ١٥٧].
ولقد حثَّت الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء على لزوم تناول الطَّيِّب من المَطْعَمِ؛ لأنَّ طيبَ المَطْعَمَ له أثرٌ حِسِّيٌّ ومَعْنَويٌّ على الإنسانِ وسُلوكِهِ، وحياةِ قَلْبِه، وقبولِ دُعائِه، وعلى العَكْسِ من ذلكَ الأثرُ السَّيِّئ للمَطْعَم الخبيثِ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ؛ فَقَالَ:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[المؤمنون: ٥١]، وَقَالَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة: ١٧٢]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَّ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)(١).