فإنَّه قد حارب التَّرفَ ومجاوزة الحَدِّ المعقول في الزِّينة، وإذا كان القرآن قد قال:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢]، فإنَّه قد قال أيضاً:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء: ١٦].
والإسلام دينٌ يُفرِّق بين الرَّجُل والمرأة فيما يتعلَّق بالزَّينة والتَّجمُّل؛ ولذلك أباح للمرأة أن تتزيَّنَ بالذَّهَب في القُرْط، والخاتَم، والقِلادَةِ، والسِّوارِ، ونحو ذلك، وحَرَّمَ على الرَّجُلِ أن يتَحَلَّى بالذَّهَب، فقد روى ابن ماجه عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه قال:(أَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَرِيراً فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَباً فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ).
ولقد رُوِيَ أنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى في يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَمَدَّ يَدَهُ وَنَزَعَهُ وَطَرَحَهُ، وَقَالَ:(يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَطْرَحُهَا فِي يَدِهِ)، وتَركَ الرَّجُل صَاحبُ الخَاتَم خَاتَمَهُ مَرْمِيًّا على الأَرْض فَقال لَهُ بَعْضُ النَّاس -وَقَد انْصَرَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: خُذْ خَاتَمكَ انْتَفِعْ بِهِ. فَقَالَ: لَا وَالله، لَا آخُذُهُ وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
ويقاسُ على الخاتَم كُلُّ الأدوات المصنوعة من الذَّهَب التي يتحَلَّى بها الرِّجال؛ فإنَّها مُحرَّمةٌ عليهم.
وعن أبي موسى أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:(أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا).
وقد أجاز بعضُ الفُقهاء استعمالَ الذَّهَب القليل لحاجةٍ تدعو إلى استعمالِه، كاتِّخاذِه سِنًّا بَدَلَ سِنٍّ سَقَطَتْ، وكاتِّخاذِه في علاج الأَنْف المكسور، أو السَّاق المكسورة، أو نحو ذلك من المواطن التي يُباحُ فيها استعمالُ الذَّهب للرِّجال إذا اقتضاهُ مُقْتَضٍ مشروعٌ.