{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٧٣]. وقد بيَّنت لنا السُّنَّة المُطهَّرة أنَّ هذه الحالة إنَّما تكون حين تنعدم جميع الأطعمة التي أحلَّها الله، فإذا حدثت المَخْمَصَةُ ولا يجدُ المسلمُ في البلد الذي يُقيمُ فيه طعاماً ولا شراباً من لَبَنٍ أو لَحمٍ أو بَقْلٍ أو غيرها، إلَّا الطعامَ المُحَرَّم؛ فإنَّ الإسلام يُبيحُ له أنْ يأكُلَ غير باغٍ ولا عادٍ.
فقد روى أحمد والطبراني عن أبي واقدٍ اللَّيثيِّ رضي الله عنه قال:(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا المَخْمَصَةُ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ المَيْتَةِ؟ فَقَالَ: إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَخْتَفِئُوا بها بَقْلاً فَشَأْنَكُمْ بِهَا).
والاصطباح: هو أكل الصَّبُوح، وهو هنا الغداءُ، والاغتباق: هو أكل الغَبُوق، وهو هنا العشاء. وقد ذكر الشوكاني في (نيل الأوطار) أنَّ الصَّبوح شُرْبُ اللَّبَنِ أوَّل النهار، والغَبُوق -بفتح الغين- شُرْبُ اللَّبن آخر النهار، ثمَّ استُعْمِلا في الأكل للغداء والعشاء، [ومعنى] لم تختفئوا بها بَقْلًا: إنْ لم تقتلعوا من الأرض بَقْلًا تأكلونه فيُغْنيكُم عن أكل المَيْتَةِ، (فشأنُكُم بها) أي: فكُلُوا وفق مقتضى حالِكُم مع الميتة، أي إنْ لم تجدوا غير الميتةِ فكلوا منها لاضطراركم للأكل منها إذا لم تجدوا غيرها.
ويؤخذ من الحديث الشريف: أنَّ الطعامَ المُحرَّم لا يَحِلُّ تناولُه إلَّا في حالة الاضطرار، وأنَّ حالة الاضطرار لا تكون إلَّا عند المَخْمَصَةِ، ولم يجدوا أيَّ طعام من الأطعمة التي أحلَّها الله؛ لحماً أو بقلاً أو غيرهما من أنواع الأطعمة.
وفي اعتقادنا أنَّ هذه الحالة لا توجد في أي معيشة من المُدُنِ في هذه الأيَّام، ومع ذلك فالحلالُ بَيِّنٌ والحَرامُ بَيِّنٌ. وحالةُ الاضطرار بيَّنَتْهَا السُّنَّة المُطهَّرة، والمسلمُ أمينٌ على دِينِه، مسؤولٌ أمامَ رَبِّه، والله الهادي إلي سواء السبيل.