على أنَّه يجب أن يُلْحَظَ أنَّه إذا أمكنت العناية في تربية الخنزير بصورة فنِّيَّة مزيلة لهذه الآفة فيه في وقت أو مكان، أو أمكنةٍ كثيرة من مراكز الحضارة وعواصمها في العالم، فإنَّ ذلك غير ممكن في جميع آفاق الأرض، في جميع الأزمنة، ولا تتيسَّر وسائله لكلِّ البشر، كما أنَّ هذه العناية الصحيَّة بتربيته في المراكز الحضاريَّة ليست كفيلة مِئةً في المِئةِ للقضاء على هذه الآفة، ولا يتقيَّد الناس بها مِئةً في المِئةِ، فما يمكن من العناية في عاصمة غنيَّة بالوسائل الفنيَّة؛ كنيويورك وباريس مثلاً، لا يمكن بذله في الضواحي والقُرَى، ولا سيَّما النائية بين الفلَّاحين ونحوهم.
وحكم الشريعة يجب أن يكون صالحاً واقياً لجميع الناس في جميع الأماكن، ولذلك وجب أن يكون التحريم عامًّا وشاملاً.
على أنَّ الشخص المسلم المؤمن لا يجوز له رفض حكم الشريعة إذا لم تظهر له حكمته؛ لأنَّ هذا يؤدِّي إلى أن يتَّخِذَ كلُّ إنسانٍ من عقله وعلمه القاصِرَيْن مقياساً متفاوتاً عن مقياس غيره في قبول أحكام الشريعة ورفضها، بل عليه قبول الحكم الشرعيِّ في التحليل والتحريم متى ثبت وجود النصِّ فيه، سواء أفهم الحكمة في ذلك أو لم يفهمها؛ لأنَّ كثيراً من حكمة الأحكام ظلَّت من أوَّل عهد الشريعة إلى هذا العصر مجهولة حتَّى اكتشفتها الوسائل العلميَّة الحديثة، وذلك نظير المكلَّف تجاه القوانين الوضعية النافذة عليه، فإنَّ على كلِّ شخص طاعة القانون، سواء أكان مقتنعاً بحكمته أو غير مقتنع بعد أن يصدر القانون عن مُصدِّره التشريعي؛ لأنَّ المفروض أنَّ السلطات التشريعية التي تُصدِرُ القوانين قد درست ما يحيط بالموضوع من كلِّ النواحي المتعلِّقة