للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باتِّفاق الصَّحابة، كما ثبت عنه في الصَّحيح من حديث أبي موسى: (أنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَرَابٍ يُصْنَعُ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ، وَشَرَابٍ يُصْنَعُ مِنَ العَسَلِ يُقَالُ لَهُ البِتْعُ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَوَامِعَ الكَلِمِ؛ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وفي الصَّحيحين عن عائشة عنه أنَّه قال: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)، وفي الصَّحيح عن ابن عُمَرَ عنه أنَّه قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وفي لفظ الصَّحيح: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)، وفي السُّنن عنه أنَّه قال: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، وقد صحَّح ذلك غيرُ واحدٍ من الحُفَّاظ، والله عزَّ وجلَّ حَرَّم عصير العِنَب النَّيء إذا غَلا واشتدَّ وقَذَف بالزَّبَد؛ لما فيه من الشِّدَّة المُطْرِبَة التي تَصدُّ عن ذِكْر الله وعن الصَّلاة، وتُوقِع العداوة والبغضاء. وكُلُّ ما كانت فيه هذه الشِّدَّةُ المُطْرِبَة فهو خمر، من أيِّ مادَّةٍ كان؛ من الحُبُوب والثِّمار وغير ذلك، وسواءٌ كان نيِّئاً أو مطبُوخاً، لكنَّه إذا طُبِخَ حتَّى ذهب ثُلُثاه وبقي ثُلُثُه لم يبقَ مُسْكِراً، اللَّهُمَّ إلَّا أن يُضاف إليه أفاويهُ (١)، أو نوعٌ آخر. والأصل في ذلك (أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)، وهذا مذهب جماهير العُلماء الأئمَّة -كما قال الشَّافعيُّ وأحمدُ [وغيرهما]-.

وهذا المُسْكِر يُوجِب الحَدَّ على شاربه، وهو نَجِسٌ عند الأئمَّة.

وكذلك «الحَشيشة» المُسْكِرَة يجب فيها الحَدُّ، وهي نَجِسةٌ في أصحِّ الوجوه، وقد قيل: إِنَّها طاهرةٌ، وقيل: يُفَرَّقُ بين يابسها ومائعها. والأوَّل الصَّحيح؛ لأنَّها تُسْكِر بالاستحالة كالخَمْر النَّيِّء، بخِلاف ما لا يُسْكِر بل يُغيِّب العَقْل؛ كالبَنْج، أو يُسْكِر بعد الاستحالة؛ كجَوْزَة الطِّيب؛ فإنَّ ذلك ليس بنَجِسٍ.

ومن ظنَّ أنَّ الحَشيشة لا تُسْكِر وإنَّما


(١) الأفاويه: ما يعالج به الطِّيبُ؛ كالتوابل يعالج بها الطعام. انظر: الصحاح (٦/ ٢٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>