كُلُّ مُسْكِرٍ فَهُوَ حَرَامٌ)، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال:(كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)، وفي الصحيح أيضاً عن ابن عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وفي السُّنن من غير وجهٍ عنه أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال:(مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، واستفاضت الأحاديثُ بذلك.
فإنَّ الله لمَّا حَرَّم الخَمْر لم يكن لأهل مدينة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- شرابٌ يشربونه إلَّا من التَّمْر، فكانت تلك خَمْرُهُم، وجاء عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ)، والمرادُ به: النَّبيذُ الحُلوُ؛ وهو أنْ يُوضَعَ التَّمْرُ أو الزَّبيبُ في الماء حتَّى يَحْلُو، ثُمَّ يشربُهُ.
(وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ نَهَاهُمْ أَنْ يَنْتَبِذُوا فِي القَرْعِ، وَالخَشَبِ، وَالحَجَرِ، وَالظَّرْفِ المُزَفَّتِ)؛ لأنَّهُم إذا انتبذوا فيها دَبَّ السُّكْرُ وهم لا يعلمون؛ فيشرب الرَّجُل مُسْكِراً.
(وَنَهَاهُمْ عَنْ شُرْبِ النَّبِيذِ بَعْدَ ثَلَاثٍ)؛ لأنَّه قد يصير فيه السُّكْرُ والإنسانُ لا يدري. كُلُّ ذلك مُبالغةً منه -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن اعتقد من العُلماء أنَّ النَّبيذَ الذي أُرْخِصَ فيه يكونُ مُسْكِراً -يعني من نبيذ العَسَل والقَمْح ونحو ذلك؛ فقال: يُباح أن يُتناولَ منه ما لم يُسْكِر-؛ فقد أخطأ.
وأمَّا جماهير العُلماء فعرفوا أنَّ الذي أباحهُ هو الذي لا يُسْكِر، وهذا القول هو الصحيح في النصِّ والقياس.
أمَّا النصُّ؛ فالأحاديث الكثيرة فيه.
وأمَّا القياس؛ فلأنَّ جميع الأشربة المُسْكِرَة متساويةٌ في كَوْنِها تُسْكِرُ، والمفسدة الموجودة في هذا موجودةٌ في هذا، والله تعالى لا يُفرِّقُ بين المُتماثِلَين، بل التَّسوية بين هذا وهذا من العدل والقياس الجَلِيِّ. فتبيَّن أنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ حرامٌ.