لأنَّ دين النصارى واحد، فيُفترَضُ في الذَّبْح -إنْ كان جارياً على دينهم- أنْ تكون صورتُه واحدة، لكن الذَّبْح عندهم اليوم معدودٌ من المسائل المَدَنيَّة، وليس من المسائل الدِّينيَّة العِباديَّة؛ لذا هم مختلفون فيما بينهم في طريقته اختلافاً كبيراً؛ منهم من يَخْنِق، فيَطْعَنُ الحيوان في صَدْرِه بين أضلاعه، وينْفُخُه بمِنْفاخ، فتمتلئ رِئَتاهُ بالهواء ويموت مَخْنُوقاً، ومنهم من يضرب الحيوان بمُسدَّس في رأسه تخرج منه إِبرةٌ تَخْرِق دماغه، فيقع مصروعاً، ثمَّ يُعلِّقه الذَّابح ويَشْرطه في رَقَبته شرطةً خفيفةً قد تقطع عُروقه أو بعضها، وقد لا تقطعها وتكون جِلْدِيَّة، وقد يُدْرِك السكِّين الحيوان حيًّا قبل أن يموت، وقد لا يُدركه إلَّا بعد موته، ومن المجازر من يُخَدِّرُ الحيوان بغازٍ سامٍّ، مثل غاز أكسيد الكربون، وبعد تخديره يشْرُطه بالسِّكِّين على نحو ما سبق، ومنهم من يُدخِل حديدةً مدبَّبةً في رأس البقر، فيُصرَع ويكتفي بذلك، ومنهم من يَصْعقه على جَنْبَي رأسه صَعْقَةً كهربائيَّةً يقع منها على الأرض، ثمَّ يُعْمَلُ به ما سبق من التَّدمية في رقبته بالسِّكِّين، دون التحقُّق من قطع عُروقه، ودون التحقُّق ما إذا كانت هذه التَّدمية في رقبته وقعت قبل موت الحيوان أو بعد موته بالصَّعْقة، ومعلوم أنَّها إذا وقعت بعد موته، فلا تفيد تذكيته، حتَّى لو ذُكِّي وقُطِعَت عُروقُه.
ولمَّا وقع الشكُّ في الذَّكاة على هذه الصُّور المتعدِّدة، فلا تَحِلُّ الذبيحة؛ لأنَّ الذبيحة لا تَحِلُّ مع الشَّكِّ؛ فقد حَرَّمَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّيدَ إذا وقع في الماء بعد إصابته بالسَّهْم، وقال للصَّائد:(فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي المَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ)(مسلم: ١٩٢٩)، وقال للذي وجد مع كلبه كلباً آخر:( ... فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ)(البخاري: ١٧٥)، وهذا يدلُّ على أنَّ الحيوان المذبوح لا يؤكل بالشكِّ،