قد أوضحت حكمها وبيَّنته، ولم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتَّى بيَّن البيان المُبين، وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال:(تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ) ... (سنن ابن ماجه، المقدِّمة، ٤٤)، (مسند أحمد ابن حنبل، ٤/ ١٢٦)، (سنن الدارمي، المقدِّمة، ٩٥).
وقال أبو ذر:«مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وطَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الهَوَاءِ، إِلَّا ذَكَرَ لَنا مِنْهُ عِلْمًا ... »
وقال العبَّاس:«مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ترَكَ السَّبِيلَ نَهْجاً»، فهذه اللُّحوم المُستورَدة من الخارج، والمحفوظة في علب أو نحوها قد بيَّنت الشريعة الإسلاميَّة حكمها غاية البيان، فإنَّ اللُّحوم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأوَّل: أن يتحقَّق أنَّها من ذبائح أهل الكتاب، فهذه حلالٌ بنصِّ الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ولم يقل بتحريمها أحدٌ يُعتدُّ بخلافه، قال سبحانه:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: ٥]؛ قال ابن عبَّاس وغيره: طعامهم ذبائحهم، وهذا دون باقي الكفَّار فإنَّ ذبائحهم لا تَحِلُّ للمسلمين؛ لأنَّ أهل الكتاب يتديَّنون بتحريم الذَّبْح لغير الله، فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم، وروى سعيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«لَا تَأْكُلُوا مِنَ الذَّبَائِحِ إِلَّا مَا ذَبَحَ المُسْلِمُونَ وَأهْلُ الْكِتَابِ»، وفي حديث أنس:(أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ). (مسند أحمد بن حنبل، ٣/ ٢١١)، والإهالة: الودك (١)، والسَنِخة: المتغيِّرة، وحديث اليهوديَّة التي أهدت للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الشاة المَصْليَّة، وثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال: (لمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ فَاحْتَضَنْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي أَحَدًا
(١) الوَدَكُ: دَسَمُ اللَّحْم ودُهْنُه الذي يُستخرَج منه، وشَحْم الأَلْيَة والجَنْبَين في الخروف. المعجم الوسيط (٢/ ١٠٢٢).