{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}[المائدة: ٥]، والذين أوتوا الكتاب: هم النَّصارى واليهود، ويقول الإمام أبو بكرٍ ابنُ العَرَبيِّ عن هذه الآية الكريمة:«هذا نصٌّ قاطعٌ على أنَّ الصَّيد وطعامَ الذين أوتوا الكتاب من الطيِّباتِ التي أباحها الله، وهو الحلال المُطْلَق».
وقد ثبت في الحديث الصحيح أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَكَلَ من شَاةٍ قَدَّمَتها إليه امرأةٌ يَهوديَّةٌ، كما روى البخاريُّ والنَّسائيُّ من حديث عائشة (أَنَّ قَوْماً قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ قَوْماً يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا).
وقد ذكر الإمامُ القرطبيُّ أنَّ جمهور الأئمَّة يُقرِّر أنَّ ذبيحة كُلِّ نَصرانيٍّ حلالٌ، وكذلك اليهود. وقرَّرَ غيرُه أنَّ المسلم الآكل لذبيحة غير المسلم إذا لم يعلم أنَّ الذَّابح قد ترك التَّسميةَ، ولم يعلم أنَّه قد ذكر عليها اسماً غير اسم الله، فالأَكْل منها حلال.
وذكر الفقيه الحنفي محمَّد ابن عابدين أنَّ ذبيحة الكتابيِّ حلالٌ؛ لأنَّ الله تعالى يقول:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: ٥]، وطعامهم هنا هو ذبائحهم.
كما جاء في (الفتاوى الهنديَّة) أنَّ ذبيحة الكتابيِّ تُؤكَل إلَّا إذا شهد المسلم ذَبْح الكتابيِّ للذَّبيحَةِ، ووجد أنَّه قد ذَكَرَ عليها غير اسمِ الله سبحانه.
وقال الإمام عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكَرَّم الله وجهه، كما قال معه غيره:«إِذَا سَمِعْتَ الكِتابيَّ يُسَمِّي غَيْرَ الله فَلَا تَأْكُلْ»؛ وذلك لأنَّ الله تعالى يقول:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: ١٢١].
ويَحرُم الأَكْل من ذبيحة الوثنيِّ؛ وهو عابدُ الوَثَنِ أو الصَّنَم، وكذلك يَحرُم الأَكْل من ذبيحة من لا يَدينُ بدِينٍ إطلاقاً.