للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القضيَّتين لم يسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن كيفيَّة الذَّبْح، ولا هل ذُكِرَ اسمُ الله عليه أم لا؟

وفي (صحيح البخاري) عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ قَوْمًا أَتَوْنَا بِلَحَمٍ، لَا نَدْرِي: أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ. قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالكُفْرِ)؛ فقد أحَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَكْل هذا اللحم مع الشكِّ في ذِكْر اسم الله عليه، وهو شَرْط لحِلِّه، وقرينة الشكِّ موجودةٌ؛ وهي كونهم حديثي عهدٍ بالكُفْر، فقد يجهلون أنَّ التَّسمية شَرْط للحِلِّ؛ لقُرْب نشأتهم في الإسلام، وإحلالُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لذلك مع الشكِّ في وجود شَرْط الحِلِّ -وهي التَّسمية-، وقيام قرينة على هذا الشكِّ -وهي كونهم حديثي عهد بالكفر- دليلٌ على إجراء ما ذَبَحَه مَنْ تَحِلُّ ذبيحتُه على أصل الحِلِّ؛ لأنَّ الأصل في الأفعال والتصرُّفات الواقعة من أهلها الصحَّة؛ قال في (المنتقى) -بعد أن ذكر حديث عائشة السابق-: «وهو دليل على أنَّ (التصرُّفات والأفعال تُحمَل على حال الصحَّة والسَّلامة إلى أن يقوم دليل الفساد)» ا. هـ.

وما يَرِدُ إلينا ممَّا ذَبَحَه اليهود أو النَّصارى غالبه ممَّا جُهِلَ كيف وقع ذَبْحُه؛ فيكون تحرير المقام فيه: إجراؤه على أصل الحِلِّ، وعدم وجوب السؤال عنه.

المقام الثالث: الحكم على هذا الوارد بأنَّه مِنْ ذَبْح من تَحِلُّ ذبيحتُه.

وهذا المقام له ثلاث حالات أيضاً.

الحال الأولى: أن نعلم أنَّ من ذَبَحَه تحِلُّ ذبيحتُه؛ وهم المسلمون، وأهل الكتاب (اليهود والنصارى)؛ ففي هذه الحال المذبوح حلالٌ بلا شكٍّ؛ لوقوع الذَّبْح الشرعي من أهله، وطريق العِلْم بذلك أن نشاهد الذَّابح المعلومة حاله، أو يخبرنا به من يحصل العِلْم بخَبَره، أو يكون مذبوحاً في محلٍّ ليس فيه إلَّا من تحِلُّ ذبيحتُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>