وما صادوه بناءً على القاعدة الأُولى، وهي القول بالعموم. وقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٤] خطابٌ للمسلمين، دليله: أنَّه لا يُؤكَل ما صاده غير المسلم. وكذا قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}[المائدة: ٩٤] الآية خطابٌ للمؤمنين على أحد التأويلين فيها؛ وهو أنَّها دالَّة على الإباحة، وأنَّها في الحلال لا في المُحْرِم، ودليله: أنَّ غير المسلم بخلاف ذلك؛ بناء على القاعدة الثانية، وهذا مفهوم مُخصِّص للآية الأُولَى بناء على القاعدة الثانية.
ولا يقال: المفهوم لا يُخصَّص به؛ لأنَّ دلالة العامِّ منطوق، والمنطوق لا يعارض المفهوم؛ لأنَّا نقول: لو لم يُخصِّصه به لَلَزِمَ إبطالُ أحد الدَّليلين، وإعمالهما معاً ما أمكن الجمع بينهما أَوْلَى.
فإذا تقرَّر هذا؛ فنقول: الفَرْق بين ذبيحة الكتابيِّ وصَيدِه في كون العُموم خُصِّص بالمفهوم في آية الصَّيد، ولم يُخصَّ المفهوم في آية التَّذْكية، وهي قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: ٣] هو أنَّ الأصل التخصيص في الجميع، لكن وردت السُّنَّة بالرُّخْصة في ذبيحة الكتابيِّ؛ لما ثبت في كونه -صلى الله عليه وسلم- أَكَلَ من الشَّاة التي أَتَتْ بها اليهوديَّة مَسْمومةً من غير أن يسأل؛ هل ذَبَحَها يهوديٌّ أو مسلمٌ، مع أنَّ الغالب فيما تأتي به اليهوديَّة أنَّه من ذبيحة أهل دِينِها، فثبت بهذا الرُّخْصة في ذبيحة الكتابيِّ، وإذا كان ذلك رُخْصَةً لم يصحَّ قياس صَيد الكتابيِّ عليه؛ عملاً بالقاعدة الرابعة، وهي امتناعُ القياس على الرُّخَص.
فإن قيل: حقيقة الرُّخْصة أنَّه المشروعُ لعُذْرٍ، مع قيام المُحَرِّم لولا العُذْر، وقد ظهر من تقريرك قيام