للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسُّنَّة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء: (حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالمَاءِ)، وقوله في آنية المَجُوس: (ارْحَضُوهَا، ثُمَّ اغْسِلُوهَا بِالمَاءِ)، وقوله في حديث الأعرابيِّ الذي بال في المسجد: (صُبُّوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ)، فأمر بالإزالة بالماء في قضايا مُعيَّنةٍ، ولم يأمُر أمراً عامًّا بأن تُزال كُلُّ نجاسةٍ بالماء، وقد أَذِنَ في إزالتها بغير الماء في مواضع:

منها: الاستجمار بالأحجار، ومنها: قوله في النَّعلَيْن: (ثُمَّ لِيَدْلُكْهُمَا بِالتُّرَابِ، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُما طَهُورٌ)، ومنها: قوله في الذَّيْل: (يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ)، ومنها: أَنَّ الكِلَابَ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ لم يكونوا يَغْسِلُون ذَلِكَ)، ومنها: قوله في الهِرِّ: (إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ)، مع أنَّ الهِرَّ في العادة يأكُل الفأر، ولم تكن هناك قناةٌ تَرِدُ عليها تُطهِّر بها أفواهها بالماء، بل طَهَّرها ريقها، ومنها: أَنَّ الخَمْر المُنقَلِبَة بنفسها تَطْهُر باتِّفاق المسلمين.

وإذا كان كذلك؛ فالرَّاجح في هذه المسألة أنَّ النَّجاسة متى زالت بأيِّ وجهٍ كان، زال حُكمُها، فإنَّ الحُكْم إذا ثبتَ بعِلَّةٍ زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النَّجاسة لغير حاجةٍ؛ لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها.

والذين قالوا: لا تزول إلَّا بالماء؛ منهم من قال: إنَّ هذا تعبُّدٌ.

وليس الأمر كذلك؛ فإنَّ صاحب الشَّرع أَمَرَ بالماء في قضايا مُعيَّنةٍ لتَعَيُّنه؛ لأنَّ إزالتها بالأشربة التي يَنْتَفِع بها المسلمون إفسادٌ لها، وإزالتُها بالجامدات كانت مُتَعذِّرةً؛ كغسل الثَّوب والإناء والأرض بالماء؛ فإنَّه من المعلوم أنَّه لو كان عندهم ماء وَرْدٍ وخَلٌّ وغير ذلك، لم يأمُرْهم بإفساده؛ فكيف إذا لم يكن عندهم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>