والثَّالث: أنَّ ريقَه نَجِسٌ، وأنَّ شَعْره طاهرٌ؛ وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه، وهذه هي الرِّواية المنصورة عند أكثر أصحابه، وهو الرِّواية الأخرى عن أحمد، وهذا أرجح الأقوال.
فإذا أصاب الثَّوب أو البدن رُطوبة شعره لم ينْجُس بذلك، وإذا وَلَغَ في الماء أُرِيقَ، وإذا وَلَغَ في اللَّبَن ونحوه؛ فمن العُلماء من يقول: يُؤْكَل ذلك الطَّعام؛ كقول مالكٍ وغيره. ومنهم من يقول: يُرَاق؛ كمذهب أبي حنيفة والشَّافعيِّ وأحمد. فأمَّا إن كان اللَّبَن كثيراً فالصحيح أنَّه لا يَنْجُس.
وله في الشُّعور النَّابتة على محلٍّ نَجِسٍ ثلاث روايات:
إحداها: أنَّ جميعها طاهرٌ حتَّى شعر الكَلْب والخنزير؛ وهو اختيار أبي بكرٍ عبد العزيز.
والثَّانية: أنَّ جميعها نَجِسٌ؛ كقول الشَّافعيِّ.
والثَّالثة: أنَّ شَعْر المَيتَةِ إن كانت طاهرةً في الحياة كان طاهراً؛ كالشَّاة والفَأْرة، وشَعْر ما هو نَجِسٌ في حال الحياة نَجِسٌ؛ كالكَلْب والخنزير. وهذه هي المنصوصة عند أكثر أصحابه.
وعلى هذا؛ فإذا كان شَعْر الكَلْب رَطْباً وأصاب ثَوْب الإنسان فلا شيء عليه؛ كما هو مذهب جمهور الفُقهاء؛ كأبي حنيفة ومالكٍ وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه؛ وذلك لأنَّ (الأصل في الأعيان الطَّهارة)، فلا يجوز تَنْجيس شيءٍ ولا تحريمُه إلَّا بدليل؛ كما قال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة: ١١٥]، وقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ بِالمُسْلِمِينَ جُرْماً مَنْ