السُّنَّة، وقد شرحنا ذلك في المجلَّد الرابع من (المنار)(ص ٥٠٠ و ٨٢١ و ٨٦٦)؛ فليَرْجِع إليه السائل إن شاء.
وقد جَمَعَتْنا الأيَّام بعد كتابة ما كتبناه في ذلك المجلَّد بجماعةٍ من أكابر عُلماء الأزْهَر في قِطارٍ خاصٍّ من قطارات سِكَّة الحديد، كان يحملُنا إلى بلدة (ديروط) بدعوةِ قُطُب باشا قُرَشِي رحمه الله للاحتفال بتأسيسه مسجداً ومدرسةً فيها، فدار الكلامُ بيننا في هذه المسألة، فقال أحد عُلماء المالكيَّة: إنَّه يريد أن يكتب رسالةً يُثبِتُ فيها نجاسة الخَمْر بالدليل، فتكون ردًّا على (المنار).
قلتُ له: إذا جئت بدليل صحيح يَقْبَلُه (المنار) ويَنْشُرُه في الأقطار، وإلَّا رُدَّ عليك ما تكتب، ويمكنك أن تذكر الآن ما عندك من الدَّليل.
قال: الإجماع.
قلتُ: لم ينقله أحدٌ، بل نقلوا عن الإمام ربيعة التصريح بطهارتها.
قال: آية المائدة.
قلتُ: إنَّ لفظ (رِجْس) محمولٌ فيها على الخَمْر والمَيْسِر والأنْصاب والأزْلام، ولم يقل أحدٌ من المسلمين بنجاسة المَيْسِر والأَنْصاب والأَزْلام، فتعيَّن أن يكون الرِّجسُ هو المستقبَحُ عَقْلاً وشَرْعاً لضَرَرِه، والرِّجْسُ يكون حِسِّيًّا؛ وهو ما يُدْرَكُ بأحد الحَواسِّ، ويكون مَعنويًّا وهو ما يُعرَف بالعَقْل والشَّرْع مُجتَمِعَيْن أو مُنْفَرِدَيْن؛ قال تعالى:{وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}[يونس: ١٠٠]، وقال:{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}[التوبة: ١٢٥]، وقال:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}[الحج: ٣٠]، ولا يمكن إرادة النَّجاسة الحِسِّيَّة بشيءٍ من ذلك.
ولمَّا لم يستطع الأستاذ المالكيُّ أن يقيم دليلاً، سأل أحدُ الحاضرين مفتي الدِّيار المِصريَّة -وكان يسمعُ المناظَرة- عن رأيه في المسألة.