١ - أنَّ الدَّم المَسْفوح، هو الذي وقع فيه الخلاف، أمَّا غير المَسْفوح؛ كدَمِ الجُرُوح وسِوَاها، فلَمْ يَقُلْ أحدٌ بنَجاسَتِه؟
٢ - أنَّ المُحَدِّثين لم يشيروا أبداً إلى التحريم إلَّا للدَّم المَسْفوح، وكذلك أشار المُفسِّرون؟
٣ - أنَّه لا يوجد دليلٌ واحدٌ صحيحٌ يُفِيدُ بنَجاسَةِ الدَّم، إلَّا ما كان من إشارة بعض الفُقهاء، وهؤلاء لا دليل عندهم، وما دام الدليل لم يوجد، فالأصلُ طهارةُ الدَّم، فلا تَبْطُل صلاةُ من صلَّى وعلى ثَوْبِه بُقَعُ دَمٍ؟
الجواب: ما ذكرتم في رقم (١) فلو رَجَع القائلُ إلى كلام أهل العِلْم لوجد أنَّ الأمر على خلاف ما ذَكَر؛ فإنَّ الدَّم المَسْفوح لم نعلم قائلًا بطهارته، كيف وقد دلَّ القرآنُ على نجاستِه كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى، وقد نَقَل الاتِّفاق على نجاسته: ابن رُشْدٍ في (بداية المجتهد)، فقال (ص ٧٦، ط الحلبي): وأمَّا أنواع النَّجاسات فإنَّ العُلماء اتَّفقوا من أعيانها على أربعة، وذَكَر منها: الدَّم من الحيوان الذي ليس بمائيٍّ انفصل من الحيِّ أو الميِّت، إذا كان مَسْفوحاً، أي: كثيراً.
وقال في (ص ٧٩ منه): اتَّفق العُلماء على أنَّ دَم الحيوان البرِّيِّ نَجِسٌ. اهـ.
لكن تفسيره للمَسْفوح بالكثير مخالفٌ لظاهر اللَّفظ، ولما ذَكَرَه البَغَويُّ في (تفسيره) عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ ما خرج من الحيوان وهو حيٌّ، وما يخرج من الأَوْداج عند الذَّبْح؛ وذلك لأنَّ المَسْفوح هو المُرَاق السائل، لا يُقَيَّدُ كونه كثيراً. اللَّهمَّ إلَّا أن يُريدَ ابنُ رُشْدٍ بهذا القَيْد مَحلَّ الاتِّفاق؛ حيث عفا كثيرٌ من أهل العِلْم عن يسير الدَّم المَسْفوح، لكنِ العَافُون عنه لم يجعلوه طاهراً، وإنَّما أرادوا دَفْع المشقَّة بوجوب تطهير اليسير منه.