المذاهب المتبوعة وغيرهم، صريحة في القول بنجاسة الدَّم، واستثناؤهم ما استثنوه دليلٌ على العموم فيما سواه، ولا يمكن إنكار أن يكون أحدٌ قال بنجاسةٍ بعد هذه الأقوال عن أهل العِلْم.
وأمَّا ما ذُكِر في رقم (٢)؛ فالكلام في نجاسة الدَّم لا في تحريمه، والتحريم لا يلزم منه التَّنْجيس؛ فهذا السُّمُّ حَرامٌ وليس بنَجِسٍ (فكلُّ نَجِسٍ مُحرَّم، وليس كُلُّ مُحرَّم نَجِساً)، فنَقْل الكلام من البحث في نجاسته إلى تحريمه غير جيِّد.
ثمَّ إنَّ التعبير بأنَّ ثبوت تحريمه كان بإشارةِ المُحَدِّثين والمُفسِّرين -مع أنَّه كان بنصِّ القرآن القَطْعيِّ- غير سديدٍ، فتحريم الدَّم المَسْفوح كان بنصِّ القرآن القطعيِّ المُجْمَع عليه، لا بإشارة المُحَدِّثين والمُفَسِّرين، كما يُعْلَم.
وأمَّا ما ذُكِرَ في رقم (٣)؛ فإنَّ سياق كلامكم يدلُّ على أنَّكم تقصدون بالدَّم المَسْفوحَ فقط، أو هو وغيره؛ لأنَّكم ذَكَرْتُم أنَّ غير المَسْفوح لم يَقُلْ أحدٌ بنجاسته، وأنَّ موضع الخلاف هو الدَّم المَسْفوح، ولو رجعتم إلى الكتاب والسُّنَّة لوجدتم فيهما ما يدلُّ على نجاسة الدَّم المَسْفوح، ودَمِ الحَيْض، ودَمِ الجُرْح.
فأمَّا نجاسة الدَّم المَسْفوح؛ ففي القرآن قال الله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[الأنعام: ١٤٥]؛ فإنَّ قوله:{مُحَرَّمًا} صفةٌ لموصوف محذوف، والتقدير: شيئاً مُحرَّماً، والضمير المستتر في {يَكُونَ} يعود على ذلك الشيء المُحرَّم؛ أي: إلَّا أن يكون ذلك الشيء المُحرَّم مَيْتةً. إلخ، والضمير البارز في قوله:{فَإِنَّهُ} يعود أيضاً على ذلك الشيء المُحرَّم؛ أي: فإنَّ ذلك الشيءَ المُحرَّم رِجْسٌ.