للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّفظ للبُخاريِّ، وفي رواية أخرى له: (هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)، والإهابُ ككتاب الجِلْد، أو ما لم يُدْبَغ منه؛ كما في (القاموس). ولفظ أحمد ومُسلِم وغيرهما: (هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ. فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا)، وذِكْر الدِّباغ بيانٌ لطريق الانتفاع، وليس فيه حَصْرٌ، وفي لفظٍ لأحمد: إِنَّ دَاجِناً لمَيْمُونَةَ مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا، أَلَا دَبَغْتُمُوهُ، فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ) أي: إنَّ الدِّباغ مُطهِّرٌ كالذَّكاة. ولا ينافي هذا جواز الانتفاع بالإهاب غير المدبوغ، كما تدلُّ عليه الرِّواية المُطلَقَة. وروى مالكٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وابن حِبَّان من حديث مَيمُونة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِهِ رِجَالٌ يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الحِمَارِ، فَقَالَ: لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا! فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: يُطَهِّرُهَا المَاءُ وَالقَرَظُ) صحَّحه ابن السَّكَن والحافظ. ولعَلَّ هؤلاء لو اكتفوا بأمره إيَّاهم بأَخْذِ إهاب المَيْتَة والانتفاع به لَكَفاهم، ولم يذكر لهم غيره، وحَسْبُك بعبارة الحَصْر في قوله: (إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا) أي: لا الانتفاع بها، وحديث: (لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ)؛ قد أُعلَّ بالاضطراب والإرسال؛ فلا يُعارِض هذه الأحاديث الصحيحة، ولا يَنْسَخها.

ولا يُعارِضُها ما ورد في النَّهي عن شحوم المَيْتَةِ؛ فإنَّها ممَّا يُؤكَلُ، فَسُدَّتْ الذريعة إليه.

وأَمْثَل ما قيل في النهي عن استعمال جُلود السِّباع: أنَّها مَدْعاة القَسْوة والكِبْر.

هذا وإنَّ المراد بالتَّنَزُّه عن النجاسة هو أن يكون المؤمن طاهراً نظيفاً بعيداً عن الأقذار، وما فيها من المهانة والمضارِّ، ولذلك كان الدِّباغ مُطهِّراً؛ لأنَّه يُزيل العُفونة والرُّطوبة التي يَنتُنُ بها الجِلْد، فكلُّ ما يُزيل ذلك فهو دباغٌ مُطَهِّرٌ، والذين يشترون جُلود

<<  <  ج: ص:  >  >>