وقد حقَّق ابن تيمية من فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنَّ استحالة النجاسة تُذْهِبُ بخَبَثِها فتصير طاهرةً، ومثل ذلك في كتب فقه الإمام الشافعي، وفي كتب فقه الإمام مالك على المعتمد أنَّ تغيير النجاسة واستحالتها إلى شيءٍ آخر مُطَهِّر لها، كما أنَّه يجوز عَلْف الطعام المُتنَجِّس للدَّواب.
لمَّا كان ذلك؛ فإن المستفاد من أقوال الفقهاء أنَّ العَيْن النَّجِسَة إذا تحوَّلت إلى عَيْن أخرى طَهُرت، ومثَّلوا لذلك بما إذا وقع حمارٌ أو خنزيرٌ في مَلَّاحَةٍ فتحوَّل مِلْحاً خالِصاً، كان هذا المِلْح طاهراً مباحاً؛ لانقلاب ذاته وصفاته إلى شيءٍ آخر مُخالِف تماماً لذاته وخواصِّه الأُولَى.
وإذا كان ذلك؛ فإذا كان تصنيع مُخلَّفات المَجْزَر الآليِّ من دِماء ولُحوم لتكون غذاءً للدَّواجن وغيرها، إذا كان التصنيع تتغيَّر به خواصُّ وصفات هذه الموادِّ النَّجِسَة وتتحوَّل إلى صفات وخواصَّ أخرى على نحو الأمثلة التي ضَرَبَها الفقهاء والمشار إليها، كان ذلك -أي انقلاب عَيْن النجاسة وتحوُّلها إلى شيء آخر- مُطهِّراً لها، ويَحِلُّ استعمالها أعلافاً للدَّواجن وغيرها من الحيوانات التي تُذْبَح ليأكُلها الناس.
أمَّا إذا كان هذا التصنيع مُجرَّد طحين وخَلْطٍ لها بموادَّ أخرى مع بقاء عَيْنِها، فإنَّه لا يُخرِجُها عن نجاستها؛ لبقاء ذات عَيْنِها النَّجِسَة، وإذا كان ذلك وجب على القائمين على هذا المشروع استبانة واقع هذا العمل قبل الإقدام عليه؛ وقايةً للناس من الوقوع في مخالفة أحكام الإسلام التي شرعها الله؛ حِفاظاً على حياتهم وصحَّتهم على ما وضح من تلك القواعد والأمثلة،